للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الدعوة إلى الله بحكمة]

الحكمة: هي أن يضع الأشياء مواضعها.

ومن الحكمة العلم، أن يكون عالماً بما يدعو إليه، عالماً بحال من يدعوهم أيضاً، فأما كونه عالماً بما يدعو إليه فلابد أن يكون عنده علم من الشرع، يعرف أن هذا حق فيدعو إليه، ويعرف أن هذا باطل فيحذر منه، وأما أن يقوم رجل جاهل لا يعرف فيدعو ويدَّعي أن الله يلهمه حين كلامه وحين خطابه، فهذا غلط، بل لابد أن يعلم أولاً ثم يدعي؛ لأنه إذا لم يعلم ما يدعو إليه فقد يَضِلْ ويُضِلْ أيضاً، وإصلاح الناس بعد الإضلال على يد شخص يقول إنه داعية يصعب على الإنسان أن يقيمه، وأن يزيل هذا الضلال.

وإذا تكلم بما لا يعلم فقد وقع هو نفسه فيما حرم الله عليه، قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:٣٣] ، وقال تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:٣٦] فكيف تدعو بما لا تعلم؟ وأن يكون عنده علم بحال المدعو حتى يكون منزلاً له منزلته، لأن هناك فرقاً بين أن تدعو شخصاً جاهلاً ساذجاً لا يعرف شيئاً، وهو لين العريكة طيب القلب، فهذا دعوته سهلة، ينقاد بأدنى سبب، وبين أن تدعو رجلاً مارداً عنده جدل ولسان فصيح، فهذا يحتاج إلى دعوة قوية، وتكون بأسلوب مقنع واضح بين ينبني على الأدلة من الكتاب والسنة وعلى الأدلة من العقل أيضاً؛ لأن من الناس من إيمانه بالكتاب والسنة ضعيف، لكن إذا ذكرت له أشياء معقولة خضع وعجز عن الجدال؛ فلا بد أن تعلم حال من تدعوهم إلى الله عز وجل لتكون على بصيرة من الأمر في كيفية دعوتهم، ولهذا لما بعث النبي صلى الله عليه معاذاً إلى اليمن قال له: (إنك تأتي قوماً أهل كتاب) فبين له حالهم من أجل أن يكون لديه استعداد لمواجهتهم وكيفية مخاطبتهم.

وإذا كان عنده -أي عند الداعية- علم بأحوال المدعو فإنه سوف ينزله منزلته، إن كان من أصحاب لين القول ألان له القول، وإن كان من أصحاب إغلاظ القول أغلظ له القول ولا بأس، فإن الله يقول: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا} [العنكبوت:٤٦] فهؤلاء الذين ظلموا يعاملون معاملة تليق بظلمهم، والظلم هنا بمعنى المعاندة، أي: معاندة الحق والمراوغة.