للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (ويمنعون الماعون)]

قال تعالى: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون:٧] أي: يمنعون ما يجب بذله من المواعين -وهي: الأواني- أي: يأتي الإنسان إليه ويستعير منهم آنية, يقول: أنا محتاج إلى دلو, محتاج إلى إناء أشرب به, أحتاج إلى لمبة كهرباء وما أشبه ذلك ويمنع, هذا أيضاً مذموم, ومنع الماعون ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: يأثم به الإنسان.

القسم الثاني: لا يأثم به ولكن يفوته الخير.

فما وجب بذله فإن الإنسان يأثم بمنعه, وما لم يجب بذله فإن الإنسان لا يأثم بمنعه لكن يفوته خير, مثال ذلك: إنسان جاءه رجل مضطر فقال: أعطني إناءً أشرب به فإن لم أشرب مت, فبذل الإناء له واجب, حتى إن بعض العلماء يقول: لو مات هذا الإنسان فإنه يضمنه ذاك بالدية؛ لأنه سبب موته, ويجب عليه بذل ما طلبه, جاء إنسان إلى آخر يقول: أعطني ثوباً أدفأ به من البرد وإلا هلكت, هنا يجب عليه أن يبذل له ذلك الثوب وجوباً.

لكن اختلف العلماء في هذه المسألة: هل يجب على المستعير -في هذا الحال- أن يعطي المعير أجرة أو لا يجب؟ أو يجب في المنافع دون غيرها, كيف هذا؟ مثلاً: إنسان أتاك وهو مضطر إلى طعام فإن لم تطعمه هلك, هنا يجب عليك أن تطعمه لكن هل يجب عليه أن يعطيك قيمة الطعام؟ قال بعض أهل العلم: يجب عليه أن يعطيك قيمة الطعام, وقال آخرون: لا يجب؛ لأن إطعامه في هذا الحال واجب عليك من عند الله, وهذا القول هو الراجح؛ لأنه ليس له عوض؛ لأن إنقاذ الواقع في الهلكة واجب, ولا يمكن أن يأخذ الإنسان أجراً على ما أوجب الله عليه.

المسألة الثانية: جاءك إنسان مضطر إلى ثوب خوفاً من البرد, فأعطيته الثوب فهل يجب عليه أجره في هذا الثوب؟ بعض العلماء يقول: يجب عليه أجره, وبعضهم يقول: لا يجب, والصحيح: أنه لا يجب عليه أجره, ولكن إذا أعطيته إياه على سبيل التملك فهو ملكه, وإن أعطيته على سبيل الإعارة وجب عليه إذا وجد ثوباً غيره أن يرده عليك, هذا هو القول الصحيح, وبهذا ينتهي الكلام على هذه السورة.

فيجب على المرء أن ينظر في نفسه: هل هو ممن اتصف بهذه الصفات أو لا؟ إن كان ممن اتصف بهذه الصفات قد أضاع الصلاة وسها عنها, ومنع الخير عن الغير فليبشر بالويل -والعياذ بالله-, وإن كان قد تنزه عن ذلك فليبشر بالخير, والقرآن الكريم ليس المقصود منه أن يتلوه الإنسان فقط ليتعبد لله بتلاوته, إنما المقصود أن يتأدب به, ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها: (كان خلق النبي صلى الله عليه وسلم القرآن) (خلقه) أي: أخلاقه التي يتخلق بها، يأخذها من القرآن, وفقنا الله وإياكم لما فيه الخير والصلاح في الدنيا والآخرة.