للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (صراط الذين أنعمت عليهم)]

قال تعالى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة:٧] أي: أنعمت عليهم النعمة التامة التي يكون فيها نعمة الدين والدنيا, فمن هؤلاء؟ قال الله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} [النساء:٦٩] أربعة أصناف هم الذين أنعم الله عليهم, وهم على مراتبهم هذه: المرتبة الأولى: قال: (مِنَ النَّبِيِّينَ) والنبيون هنا يشمل المرسلين؛ لأن الرسول نبي, والرسل أعلى طبقة من الأنبياء, وأولو العزم أعلى طبقة من غيرهم, ومحمد أعلى أولي العزم طبقة.

فإذاً: النبيون تشمل طبقاتهم المرسلون فهم أعلى من النبيين, وأولو العزم أعلى من بقية الرسل, ومحمد أعلى طبقة في أولي العزم.

هل أنت تستحضر وأنت تقرأ هذه الآية هؤلاء السادة؟ لا بد أن يكون في قلبك ذكر لهؤلاء السادة.

المرتبة الثانية: الصديقون, هم الذين بلغوا في الصدق غايته، في تصديق ما أنزل الله على رسله, وقاموا بذلك وعلى رأسهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه, كيف عرفنا أنه على رأس الصديقين؟ لأن هناك حواريين وأنصاراً من الرسل السابقين, فكيف عرفنا أن أبا بكر هو أفضلهم؟ عرفنا ذلك لأن هذه الأمة أفضل الأمم: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:١١٠] وأن أفضل هذه الأمة هو أبو بكر باتفاق الصحابة, فقد كان الصحابة يقولون على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم: [خير هذه الأمة أبو بكر ثم عمر] حتى علي بن أبي طالب كان يعلن على منبر الكوفة بعد أن كان خليفة يقول: [خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر] وبذلك نعرف كذب الرافضة الذين يدعون أن أبا بكر ليس خليفة وأنه ظالم لـ علي؛ لأن علي عندهم هو الخليفة, فيقال: لماذا لم يعلن علي بن أبي طالب حين كان خليفة أنه مظلوم؟ بل أعلن أن ما جرى هو العدل؛ لأنه أقر واعترف بأن خير هذه الأمة أبو بكر , وهذا إقرار بفضله وبأحقيته للخلافة؛ لأنه لا يولى على القوم إلا أفضلهم وخيرهم.

على كل حال: نحن نقول: الطبقة الثانية من الخلق هم الصديقون.

المرتبة الثالثة: الشهداء, الشهداء يشمل شهداء المعركة, وهم الذين قتلوا في سبيل الله, ومن الذي قتل في سبيل الله؟ هو الذي قاتل لتكون كلمة الله هي العليا, فمن قاتل للقومية فهو خاسر, ومن قاتل للوطنية فهو خاسر, ومن قاتل ليرى مكانه فهو خاسر, ومن قاتل رياءً فهو خاسر, المقاتل الذي إذا قتل فهو شهيد هو الذي قاتل من أجل هذا الغرض لتكون كلمة الله هي العليا, هذا هو المقاتل في سبيل الله وهو الشهيد, وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم: (عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياءً أي ذلك في سبيل الله؟ قال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) أي: أن هؤلاء ليسوا في سبيل الله, ولهذا جاء في الحديث: (ما من مكلوم يكلم -أي: ما من مجروح يجرح- في الجهاد والله أعلم بمن يكلم في سبيله) هذه الجملة مهمة, ليس كل من قتل في الجهاد يكون عند الله شهيداً, قد يكون في رأينا شهيداً, ولكنه عند الله ليس بشهيد؛ لأنه قال: (والله أعلم بمن يكلم في سبيله، إلا جاء يوم القيامة لون دمه لون الدم, وريحه ريح المسك) .

الشهداء يشمل أيضاً أهل العلم, فإن العلماء من الشهداء قال الله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران:١٨] لكن من هم أولي العلم الذين يكونون من الشهداء؟ هم أولي العلم الذين يطلبون العلم لله, والذين إذا بان لهم الحق تبعوه, والذين لا يخرجون عن طريقة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه, ليس العالم القارئ ولهذا قال عبد الله بن مسعود: [كيف بكم إذا كثر قراؤكم وقل فقهاؤكم] يعني: لو وجدنا شخصاً بحراً في العلم, إن جئته في التفسير فإذا هو بحر, في الحديث بحر, وفي الفقه بحر, في كل فن هو بحر، لكنه لا يعمل بعلمه, ولا يتبع طريق السلف فهذا ليس من أولي العلم, يقول الله عز وجل في المنافقين: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} [المنافقون:٤] لماذا تسمع لقولهم؟ لأن لهم فصاحة وبيان, وهم في مظهر يعجبك, لكنهم لا خير فيهم: {كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} [المنافقون:٤] فالحاصل أن (الشهداء) تشمل طائفتين من الناس: الأولى: من قتل في سبيل الله.

الثانية: العلماء حقيقة.

المرتبة الرابعة: الصالحون وهم الطبقة الأخيرة، وهم عامة المسلمين والمؤمنين, فأنت تسأل الله أن يهديك الصراط المستقيم, صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين, وهؤلاء يجمعهم معنى واحد: ألا وهو العلم بالحق والعمل به.