للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم التفجيرات داخل البلاد الإسلامية]

فضيلة الشيخ، لا يخفى عليكم حادث التفجير الذي سبق وأن وقع في العليا، وحدث فيه إزهاق للأرواح من المعاهَدين وغير ذلك، والذي حدث من أحداث الأسنان وسفهاء الأحلام، وأنكم تعلمون عِظَم هذا الفعل وما فيه من مخالفةٍ لأمر الله، وأمر رسوله وعدم الأخذ بالأدلة الشرعية، وتسفيه لآراء العلماء والراسخين في العلم، ومن مشاقة ومحاربة لولي الأمر، والآن وقد حدث تفجير جديد في الخبر، فهل من كلمة لتبيين دين الله تعالى في ذلك، والتحذير من هذا المنزلَق الخطير الذي سلكه فئة من الشباب وهم قلة ولله الحمد، وهو مستمد من فعل الخوارج وهم قد لا يعلمون أنهم يفعلون ذلك، وأن فعلهم فعل الخوارج؟ فهل من تبيين لدين الله سبحانه وتعالى؟

والله لا شك أن هذا العمل عمل لا يرضاه أحد، كل عاقل، فضلاً عن المؤمن لا يرضاه؛ لأنه خلاف الكتاب والسنة، ولأن فيه إساءة إلى الإسلام في الداخل والخارج؛ لأن كل الذين يسمعون بهذا الخبر، لا يضيفونه إلا إلى المتمسكين بالإسلام، ثم يقولون: هؤلاء هم المسلمون، هذه أخلاق الإسلام، والإسلام منها بريء.

فهؤلاء في الحقيقة أساءوا قبل كل شيء إلى الإسلام، ونسأل الله تعالى أن يجازيهم بعدله بالنسبة لهذه الإساءة العظيمة.

ثانياً: أنهم أساءوا إلى إخوة لهم من الملتزمين؛ لأنه إذا تصوَّر الناس حتى المسلمون أن هذا يقع ممن يدَّعي أنه مسلم وأنه يغار للإسلام فسوف يَكْرَه مَن هذه أخلاقه، وسوف يظن أن هذه أخلاق كل ملتزم.

ومن المعلوم أن هذا لا يمثل أحداً من الملتزمين إطلاقاً؛ لأن الملتزم حقيقة هو الذي يلتزم بكتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام.

ولا يخفى علينا جميعاً أن الله تعالى أمر بوفاء العهود وأمر بوفاء العقود، وقال: {إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً} [الإسراء:٣٤] .

ولا يخفى علينا أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (من قتل معاهَداً لم يرح رائحة الجنة) .

ولا يخفى علينا أيضاً أنه قال عليه الصلاة والسلام: (ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) .

ولا يخفى علينا أن الائتمان أو التأمين والإجارة يكون حتى من واحد من المسلمين، وإن لم يكن ولي أمر، ولو كانت امرأة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ) ، فكيف إذا كان هذا الأمان من ولاة الأمور؟! فهذا هو عين المحادة لله ورسوله وعين المشاقة لله ورسوله.

ثالثاً: لو قدرنا على أسوء تقدير أن الدولة التي ينتمي إليها هؤلاء الذين قتلوا دولة معادية للإسلام فما ذنب هؤلاء؟! هؤلاء الذين جاءوا بأمر حكومتهم ولم يأتوا بأمرهم، قد يكون بعضهم جاء عن كره، ولا يريد الاعتداء.

ثم ما ذنب المسلمين الساكنين هناك؟! فقد قتل من المسلمين من هذه البلاد عدة وأصيب عدة من هؤلاء، من أطفال، وعجائز، وشيوخ، في مأمنهم، في ليلهم، عند الرقاد على فرشهم.

ولهذا تعتبر هذه جريمة من أبشع الجرائم، ولكن بحول الله {إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [الأنعام:٢١] سوف يُعْثَر عليهم إن شاء الله ويأخذون جزاءهم.

لكن الواجب على طلاب العلم أن يبينوا أن هذا المنهج منهج خبيث، منهج الخوارج الذين استباحوا دماء المسلمين وكفوا عن دماء المشركين، وأن هؤلاء إما جاهلون، وإما سفهاء، وإما حاقدون.

فهم جاهلون: لأنهم لا يعرفون الشرع، الشرع يأمر بالوفاء بالعهد وأوفى دِينٍ في العهد هو دين الإسلام والحمد لله.

وهم سفهاء أيضاً: لأنه سوف يترتب على هذه الحادثة من المفاسد ما لا يعلمه إلا الله عز وجل، يعني: ليست هذه وسيلة إصلاح، حتى يقولوا: {إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} [البقرة:١١] بل هم المفسدون في الواقع.

أو حاقدون على هذه البلاد وأهلها، لأننا لا نعلم والحمد لله بلاداً تنفذ من الإسلام مثلما تنفذه هذه البلاد.

الآن البلاد الإسلامية أليس فيها القبور تُعْبَد من دون الله؟! أليس فيها بيوت الدعارة؟! أليس فيها الزنا؟! أليس فيها اللواط؟! أليس فيها الخمر علناً في الأسواق؟! أليس حكامها يصرِّحون بأنهم يحكمون بالقوانين لا بالكتاب والسنة؟! فماذا يريدون؟! ماذا يريدون من فعلهم هذا؟! أيريدون الإصلاح؟! والله ما هم بمصلحين، إنهم لمفسدون؛ ولكن علينا أن نعرف كيف يذهب الطيش والغَيْرة -التي هي غُبْرة وليست غَيْرة- إلى هذا الحد؟! ولا شك أن هذا إساءة أيضاً في المرتبة الرابعة أو الخامسة إلى هذه البلاد وأهلها وترويع الآمنين.

كل إنسان يتعجب! كيف يقع هذا في هذا البلد الأمين.

ولكن نسأل الله سبحانه وتعالى أن يخزي هؤلاء، وأن يُطْلِع ولاة الأمور عليهم، وعلى من خطط لهذه الجرائم، حتى يحكموا فيهم بحكم الله عز وجل.