للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أمور تساعد على الاتزان وسرعة الفهم]

ما الأمور التي تساعد طالب العلم خاصة والمسلم عامة على الثقل والاتزان، أي: ترك الأمور العملية تساعد على ذلك، وما الأمور التي تساعده على فهم النصوص وما أشبه ذلك؟

أما مسألة الفهم فهو يؤتيه الله من يشاء، ولهذا لما سئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه: [هل عهد إليكم النبي صلى الله عليه وسلم بشيء؟ قال: ما عهد إلينا بشيء إلا فهماً يؤتيه الله تعالى عبداً في كتابه وإلا ما في هذه الصحيفة] فقوله: (فهماً) يدل على أن الفهم يختلف الناس فيه اختلافاً كبيراً وهو كذلك، من الناس من يقرأ آية من كتاب الله يستخرج منها أحكاماً كثيرة، ومنهم من يقرأها ولا يستخرج منها شيئاً، وانظر إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين قال الأنصار له: يا أمير المؤمنين! كيف تحضر عبد الله بن عباس وهو من صغار الناس وتدع أبناءنا؟ فسكت وجمعهم يوماً من الأيام، وقال لهم: [ما تقولون في قول الله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً} [النصر:١-٣] .

ما تقولون فيها أنتم؟ فسروها بظاهرها قالوا: أمر الله نبيه أنه إذا جاءه النصر والفتح أن يستغفر الله وأن يسبح بحمده، فقال: ما تقول يا ابن عباس؟ قال: أقول: إنه أجل رسول الله، أي: أن الله قال له: إذا حصل هذا فما بقي عليك شيء، ما بقي إلا أن تختم عمرك بالاستغفار والتسبيح، قال عمر: والله ما فهمت منها إلا هذا] .

فالفهم لا يمكن أن يضبط، لكن لا شك أن الإنسان إذا مارس التدبر والتفهم فإن فهمه يزيد؛ لأن هذه غريزة، والغريزة تزاد بالكسب، كل الغرائز تزداد بالكسب.

أما مسألة التأني وانضباط العمل والقول، فهذه -أيضاً- تحصل بالمرونة وهي أيضاً طبيعة ومكتسبة، بعض الناس بطبيعته تجده مطمئناً حتى كأنه يدلع الكلام تدليعاً، حتى إذا جاء يخاطبك، تقول: لماذا لا يتكلم هذا بسرعة؟ وبعض الناس بالعكس فيهم خفة في مقاله وفعاله وعقله، فضل الله يؤتيه من يشاء، لكن كل هذه الأمور تحصل بالممارسة والاكتساب، يمرن الإنسان نفسه إذا استعجل يوماً من الأيام يفكر ويقول: كيف ما أتأنى؟ لماذا أتكلم؟ ثم إذا دار الأمر في فعل من الأفعال بين تركه وفعله فغلب جانب الترك؛ لأنك إذا تركت فأنت.

فما تقتضي الحاجة التعجل فيه فهذا شيء آخر.

السؤال: لباس الشهرة المنهي عنه هل هو مختص بالنوعية أو يشمل الكيفية؟ وإذا كان يشمل الكيفية فما رأيكم فيمن يقصر ثوبه أو يطيله فيخرج عن العادة؟ الشيخ: الشهرة عام في النوعية والكيفية، والعلو والسفول، حتى إن الغني إذا لبس ما يلبسه الفقير صار شهرة، لو أن إنساناً غنياً خرج إلينا بعباءة مرقعة وثوب مرقع، ثوب وسخ وليس له أزرة، هذا شهرة، أليس كذلك؟ أليس الناس ينظرون إليه ويقولون: انظروا؟ وكذلك بالعكس، ولهذا جاء في الحديث: (أنه نهى عن لباس الشهرتين) أي: نزولاً وعلواً.

وكذلك -أيضاً- في الكيفية، لكن إذا قدرنا أن الكيفية من السنة، وكان هذا الرجل ممن يقتدى به، أي: إمام من بين الناس، لا ينكر فعله بل يقتدى به، فهنا نقول: طبق السنة، وأما إذا كان فعله سيكون شهرة وربما يكون سبباً في الاشمئزاز منه والنفور عنه ففي الأمر سعة والحمد لله، والرسول عليه الصلاة والسلام جعل المنتهى الكعبين، فكله فيه سعة، والصحابة كانوا يفعلون هذا أيضاً، ينزلونها عن نصف الساق فالأمر واسع والحمد لله، ولا يخفى علينا جميعاً أن أبا بكر لما حدث الرسول صلى الله عليه وسلم: (من جر ثوبه أو إزاره خيلاء فلا ينظر الله إليه، قال: يا رسول الله! إن أحد شقي إزاري يستطيل عليّ إلا أني أتعاهده قال: إنك لست مما يصنع ذلك خيلاء) .

ونحن إذا تأملنا وجدنا أن إزار أبي بكر إذا استرخى عليه نزل علمنا أنه نزل عن نصف الساق؛ لأنه لو كان إلى نصف الساق ثم نزل إلى الأرض انكشفت العورة وهذا مما يجعل الإنسان أن يكون في سعة من هذا الأمر.

فالمهم أن الشهرة تختلف باختلاف الشخص إذا كان إماماً يقتدى به، وأن الناس إذا رأوه -مثلاً- لبس هذا الشيء من اللباس قالوا: هذا هو السنة وافعلوه، هذا حسن، ولكل مقام مقال.

وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء، ونسأل الله أن يعيدنا وإياكم معاد الخير، ويرزقنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً، ورزقاً طيباً واسعاً.