للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون)]

يقول الله تبارك وتعالى: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} [الطور:٢٥] أي: صار بعضهم يسائل بعضاً لكن على وجه الأدب، يتكلم معه وهو مقابلٌ له لوجهه، فلا يصعر خده له ولا يستدبره بل يتكلم معه بأدبٍ ومقابلة تامة، (قَالُوا) أي: قال بعضهم لبعض، ((إِنَّا كُنَّا قَبْلُ)) أي: في الدنيا ((فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ)) [الطور:٢٦] أي: خائفين من عذاب الله، {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} [الطور:٢٧] (مَنَّ) أي: أنعم علينا بنعمة عظيمة (ووقانا عذاب السموم) أي: عذاب النار، {إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ} [الطور:٢٨] أي: قبل أن أصل إلى هذا المقر وذلك في الدنيا {نَدْعُوهُ} [الطور:٢٨] أي: نعبده ونسأله؛ لأن الدعاء يطلق على معنيين: على العبادة، وعلى السؤال.

- فمن إطلاقه على العبادة قول الله تبارك وتعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:٦٠] .

- وأما الدعاء بمعنى السؤال ففي قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:١٨٦] .

فقولهم: (إنا كنا من قبل ندعوه) يشمل دعاء العبادة: كالصلاة والصدقة والصيام والحج وبر الوالدين وصلة الأرحام كل هذا دعاء وإن كان هو عبادة، لكن لو سألت العابد: لماذا تعبد الله؟ لقال: أرجو رحمته وأخاف عذابه، فيكون هذا لهذه العبادة بمعنى الدعاء، كذلك ندعوه دعاء مسألة لا يسألون إلا الله ولا يلجئون إلا إلى الله؛ لأنهم يعلمون أنهم مفتقرون إليه، وأنه هو القادر على كل شيء.

{إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} [الطور:٢٨] (البر) أي: الواسع الإحسان والرحمة، ومن ذلك البرية للمكان الخالي من الأبنية، والمعنى: أنه جل وعلا واسع العطاء والإحسان والجود.

(الرحيم) أي: ذو الرحمة البالغة، يرحم بها من يشاء من عباده تبارك وتعالى.

ففي هذه الآيات بيان نعيم أهل الجنة، وفيها أيضاً لمَّا ذكر عذاب أهل النار ذكر نعيم أهل الجنة؛ لأن هذا القرآن الكريم مثان تثنى فيه المعاني، إذا ذكر فيه الخير ذكر فيه الشر، وإذا ذكر فيه نعيم المتقين ذكر فيه جحيم الكافرين، وهكذا حتى يكون الإنسان قارئ القرآن بين الخوف والرجاء، إن قرأ آيات النعيم رجا، وإن قرأ آيات العذاب خاف، فيعبد الله تبارك وتعالى بهذا وهذا.

نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من أهل الجنات، الناجين من الدركات إنه على كل شيء قدير.