للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (ألا تزر وازرة وزر أخرى)]

والذي في هذه الصحف قال: {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [النجم:٣٨] هذه بيان، أي: ما في صحف إبراهيم وموسى ألا تزر، وقوله تعالى: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} [النجم:٣٧] أي: وفى ما أمر به، ومن أعظم ما وفاه أنه أمر بذبح ابنه فامتثل لأمر الله عز وجل، وصمم على تنفيذه، حتى إنه تله على جبينه ليمر السكين على رقبته ولكن الفرج جاء من عند الله.

وفي قوله تعالى: {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى * وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم:٣٨-٣٩] (ألا تزر) أي: لا تحمل، (وازرة) أي: آثمة، وزر أخرى أي: إثم أخرى، يعني: أن الإنسان لا يحمل ذنب غيره، إلا أنه استثنى من ذلك إذا كان صاحب سنة آثمة فإن عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، ولكن الحقيقة أن هذا لم يتحمل وزر غيره؛ لأن غيره قد وزر وأثم لكنه تحمل إثم السنة، والبدء بالشر، فيكون حقيقة أنه لم يوزر وزر غيره، ولكنه وزر بوزر نفسه، {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [النجم:٣٨] وقد كذب الله تعالى قول الذين كفروا للذين آمنوا: {اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} [العنكبوت:١٢] فقال الله تعالى: {وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ} [العنكبوت:١٢] حتى لو قال لك القائل: افعل هذا الذنب والإثم علي، فإنه لا يتمكن من هذا: {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [النجم:٣٨] ولا يمكن أن يتمكن من هذا، فإن فعل الذي قيل له: افعل هذا والإثم عليَّ، فالإثم على الفاعل، ثم إن كان الفاعل ممن يغتر بالقول ولا يفهم فعلى القائل إثم التغرير، أي: أنه غرره وخدعه: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم:٣٩] أي: ليس للإنسان من الثواب إلا ثواب ما سعى -أي: ما عمل- فلا يمكن أن يعطى من ثواب غيره، لا يمكن أن نأخذ من أجر زيد ونعطيه عمراً أبداً، كما أنه لا يمكن أن نأخذ من سيئات زيد ونضيفها إلى سيئات عمرو، هذا لا يمكن، فصار الإنسان مرتهناً بكسبه: {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور:٢١] ، {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر:٣٨] لا يمكن أن يؤخذ من حسناته لغيره، ولا أن يؤخذ من أوزار غيره فيحمل عليه.