للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (وأن إلى ربك المنتهى)]

لقد انتهينا فيما سبق إلى قوله تبارك وتعالى: {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} [النجم:٤٢] وهذه الآية فيها قراءتان: القراءة الأولى: فتح الهمزة: {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} [النجم:٤٢] .

والثانية: كسر الهمزة: {وَإنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} [النجم:٤٢] وكلاهما قراءتان صحيحتان سبعيتان، إذا قرأ الإنسان بإحداهما صح، بل الأولى للإنسان الذي يعرف القراءات أن يقرأ بهذه القراءة مرة وبهذه القراءة مرة أخرى، لكن لا على ملأ من الناس وسماعٍ منهم؛ لأن العامة إذا سمعوك تقرأ على خلاف ما يعلمون فسيحصل بذلك مفسدة؛ إما أن يقولوا: إن هذا الرجل لا يعرف القرآن، وإما أن يتشككوا في القرآن، حيث يظن العامي أن القرآن لا يمكن أن يبدل أو يغير، لذلك ننصح إخواننا الذين أعطاهم الله تعالى علماً في القراءة ألا يقرءوا إلا بالقراءة المعروفة عند العامة حتى لا يحصل اللبس، لكن فيما بينك وبين نفسك إذا كنت تدرك القراءة الثانية إدراكاً تاماً فاقرأ بها أحياناً؛ لأن الكل سنة، والكل كلام الله عز وجل.

فإذا كانت بالكسر: (وإن إلى ربك المنتهى) صارت هذه الجملة وما بعدها ليست في صحف إبراهيم وموسى، بل تكون استئنافية.

وإذا كانت بالفتح: (وأن إلى ربك المنتهى) صارت هذه الجملة وما بعدها مما جاء في صحف إبراهيم وموسى.

وعلى كلٍ فهي كلام الله عز وجل.

{وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} في أي شيء؟ في أمور الدين والدنيا، فإلى الله المنتهى في مسائل العلم، عندما تشكل علينا مسألة من مسائل العلم إلى أين ننتهي؟ إلى الله ورسوله، كما قال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء:٥٩] ، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يقول شيئاً من عنده، إنما هو من عند الله عز وجل، فيكون المنتهى إلى الله في الحكم بين الناس وفي الحكم في الناس.

(إلى ربك المنتهى) أيضاً منتهى الخلائق؛ لأن هذا الخلق الموجود الآن سوف يفنى وينتقل إلى خلقٍ آخر، كما قال عز وجل: {أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} [ق:١٥] المنتهى على هذا التقدير هو يوم القيامة، فإلى الله المنتهى، أي: إلى الله المصير، فمنتهى أحوالنا وأحكامنا وجميع ما يصدر منا وعلينا إلى الله عز وجل.

وإذا كان إلى الله المنتهى فإلى من تشكو إذا أصابك الضر؟ إلى الله عز وجل، وإذا أردت النفع فمن تطلب؟ الله عز وجل؛ لأنه إليه المنتهى، وكم من إنسان انعقد له أسباب الرزق وإذا به يحرم منه في آخر لحظة، ربما يشتغل بإنشاء محطة على أنه يريد أن يرتزق بها، وإذا كان الله لم يرد هذا احترقت المحطة.

إذاً: لا يجلب لك الخير إلا الله، ولا يمنع عنك الضرر إلا الله عز وجل، فاجعله منتهاك في كل أمورك.