للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفسير قوله تعالى: (ولقد جاء آل فرعون النذر)

الجملة مؤكدة بالقسم المقدر واللام وقد {وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ} [القمر:٤١] أي: قومه، وعلى رأسهم فرعون، كما أخبر الله تعالى في آياتٍ أخرى متعددة أنه أرسل موسى إلى فرعون وملئه.

(جاءتهم النذر) النذر قيل: إنه بمعنى الإنذار، وهو التخويف، وقيل: إنه جمع نذير وهو كل ما ينذر به العبد، والمراد به الآيات التي جاء بها موسى، كما قال الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} [الإسراء:١٠١] وهذا الأخير هو الصحيح: أن النذر جمع نذير وليست بمعنى الإنذار، ويدل لهذا قوله: (كذبوا بآياتنا كلها) أي: بكل الآيات الدالة على صدق رسالة موسى صلى الله عليه وعلى آله وسلم كذبوا بها، وقالوا: إن موسى مجنون، وإنه ساحر، حتى إن فرعون من كبريائه قال: {قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} [الشعراء:٢٧] .

ولما كذبوا بالآيات أخذهم الله جل وعلا أخذ عزيزٍ مقتدر، (عزيز) أي: غالب (مقتدر) أي: قادر، ولكنها أبلغ من كلمة قادر لما فيها من زيادة الحروف، وكما قيل: (إن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى) وهذا في الغالب وليس دائماً، وإنما ذكر الله تعالى أن أخذه إياهم أخذ عزيزٍ مقتدر؛ لأن فرعون كان متكبراً وكان يقول: (أنا ربكم الأعلى) وكان يسخر من موسى وممن أرسله، فناسب أن يذكر الله تعالى أخذه أخذ عزيزٍ مقتدر، وهو الله عز وجل.

وقد أجمل الله تعالى هذه القصة في هذه الآية، ولكنه بينها في آياتٍ كثيرة، وأن أخذهم كان بإغراقهم في البحر، فأغرقه الله عز وجل بمثل ما كان يفتخر به؛ لأنه كان يقول لقومه: {يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف:٥١] يقررهم بهذا، وسيقولون: بلى {أَفَلا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ} [الزخرف:٥١-٥٢] يعني بذلك موسى، أغرقهم الله باليم حين جمع فرعون جنوده واتبع موسى ومن اتبعه ليقضي عليهم، ولكن الله بحمده وعزته قضى عليه.