للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفسير قوله تعالى: (على سرر موضونة)

قال تعالى: {عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ * مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ} [الواقعة:١٥-١٦] (سرر) جمع سرير: وهو ما يتخذه الإنسان للجلوس والنوم، (موضونة) قال العلماء: منسوجة من الذهب، (متكئين عليها) أي: معتمدين على أيديهم وعلى ظهورهم، فهم في راحة في اليد وفي الظهر، (متقابلين) أي: يقابل بعضهم بعضاً، وهذا يدل على سعة المكان؛ لأن المكان إذا كان ضيقاً لا يمكن أن يكون الناس متقابلين، لماذا؟ لا يتسع لهم، لابد أن يكون صفاً وراء صف، لكن إذا اتسع المكان ووضعت لهم سرر دائرية تقابلوا ولو كثروا، وهذه الآية تدل على أن الأمكنة واسعة وهو كذلك، ولهذا كان أدنى أهل الجنة منزلة من ينظر في ملكه ألفي عام، ينظر أقصاه كما ينظر أدناه، لا إله إلا الله، عجباً! ولكن ليس بعجب؛ لأن الله على كل شيءٍ قدير، والجنة عرضها كعرض السماوات والأرض، من يحيط بسماءٍ واحدة، كيف وهي كعرض السماوات السبع، والسماوات السبع بعضها فوق بعض، وكلما كان الشيء فوق، كانت الدائرة أوسع، فمن يحيط بهذا إلا الله عز وجل، عرضها كعرض السماوات والأرض.

إذاً هم متقابلون؛ لأن أمكنتهم واسعة، ولأن لديهم من كمال الأدب ما لا يمكن أن يستدبر أحدهم الآخر، كلهم مؤدبون، كلهم قلوبهم صافية، قال الله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:٤٧] ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن التدابر، والتدابر يشمل التدابر القلبي بحيث يكون كل واحد متجه إلى وجه، والتدابر البدني، إلا عند الحاجة والضرورة هذا شيء آخر، وإلا فمتى أمكن التقابل فهو أفضل، ولو أن أحداً يكلمكم وهو قد ولاكم ظهره، هل يكون استماعكم له ومحبتكم له كما لو كان يحدثكم مستقبلاً إياكم؟ لا، وهذا شيء مشاهد معلوم.