للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أحوال فاعل محظورات الحج]

واعلم أن فاعل المحظورات ينقسم إلى ثلاثة أقسام: ١- أن يكون معذوراً.

أي: محتاجاً إلى فعل المحظور فيفعله متعمداً للحاجة والضرورة؛ فهذا جائز لكن عليه الفدية، مثاله: حلق الرأس، إنسان قيل له: إن علاجك يحتاج إلى حلق الرأس فحلقه، ليس عليه إثم لكن عليه الفدية.

٢- أن يفعله معذوراً بجهلٍ أو نسيان أو إكراه فهذا لا شيء عليه، لا إثم ولا فدية، مثاله: أن يقتل صيداً وهو لا يدري أنه حرام، فلا شيء عليه ولا فدية ولا إثم.

مثال آخر: أن يتطيب ظناً منه أن الطيب ليس حراماً، فليس عليه شيء لا إثم ولا فدية.

مثال ثالث: رجل حاج معه زوجته فانصرف من عرفة إلى مزدلفة وجامع أهله في تلك الليلة ظناً منه أن الحج عرفة وانتهى عرفة، فهذا ليس عليه شيء لا إثم ولا فدية ولا قضاء؛ لأنه جاهل.

مثال رابع: إنسان يطوف وهو محرم فقبل الحجر ولم يعلم أن فيه طيباً فعلق الطيب في شفتيه فليس عليه شيء لأنه لا يدري، لكن عليه من حين يعلم أن الطيب علق به أن يزيله، لكن بماذا يزيله؟ إن قلنا: يزيله بثياب الإحرام علق بثياب الإحرام، فبماذا؟ يزيله بمنديل ويحذف المنديل لا يصحبه.

طيب فإن لم يكن معه منديل؟ إذا أمكن أن يزيله بكسوة الكعبة، يمسحها هكذا بيده ويمسح كسوة الكعبة حتى يذهب، فإن عجز فلا إثم عليه، والإثم على هذا الذي وضع الطيب في الحجر الأسود؛ لأنه هو الذي ألجأ المسلمين إلى أن يمسوا هذا الطيب، ولذلك هؤلاء المساكين يصبون الطيب على الحجر وعلى كسوة الكعبة صباً وربما يكون من أغلى أنواع الطيب، وهم بذلك بالنسبة للحجر الأسود إلى الإثم أقرب منه إلى السلامة، أما الأجر فليس لهم أجر إلا على النية؛ لأنهم يلطخون المسلمين به، فيأثمون بذلك، لأنهم يلجئون المسلمين إلى أن يأثموا، وإن كان المسلم جاهلاً ولا يدري، ليس عليه إثم.

فاعل المحظور إما أن يفعله متعمداً لكن لعذرٍ يبيح له الفعل فهذا جائز ولكن عليه الفدية، ومن ذلك: أن يضطر الإنسان إلى الأكل ولا يجد إلا أرنباً وهو صائم فيقتلها أو يذبحها إن قدر عليها وهو محرم ويأكلها لكن عليه الجزاء.

الثاني: أن يفعل المحظور معذوراً بجهل أو نسيان أو إكراه فهذا لا شيء عليه إطلاقاً والدليل: (قول الله تبارك وتعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:٢٨٦] فقال الله: قد فعلت) .

وقال الله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب:٥] وهذا لم يتعمد.

الحال الثالثة: أن يفعل المحظور بلا عذر مع علمه وذكره واختياره فهذا آثم وعليه فديته.

نسأل الله أن يجعل حجنا وإياكم حجاً مبروراً وذنبنا ذنباً مغفوراً وسعينا سعياً مشكوراً، وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب.