للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (وهو بكل شيء عليم)]

قال تعالى: {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد:٣] كل شيء الله عليم به: {إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ} [آل عمران:٥] لو عمل الإنسان في جوف بيته, في حجرة مظلمة، فهل يعلم الله تعالى عمله؟ نعم.

يعلم, بل زد على ذلك أنه يعلم ما توسوس به نفسه, كما قال الله عز وجل: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} [ق:١٦] أنت إذا فكرت في شيء فالله يعلم به قبل أن يكون, هل يعلم الماضي البعيد؟ نعم.

بكل شيء, هل يعلم المستقبل البعيد؟ نعم.

بكل شيء, ولهذا قال موسى عليه الصلاة والسلام لما سأله فرعون: {فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى} [طه:٥١] أي: ما شأنها؟ قص علينا: {قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى} [طه:٥٢] (لا يضل) : أي لا يجهل, لأن الضلال معناه الجهل, كما قال الله عز وجل في نبيه: {وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى} [الضحى:٧] ضالاً ليس بمعنى فاسق، لا.

بل معناه أنه جاهل لا يدري, كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ} [الشورى:٥٢] ، وقال تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت:٤٨] إذاً: الله بكل شيء عليم.

يا أخي! إذا علمت أن الله بكل شيء عليم, هل يمكن لك أن تقدم على معصية الله وأنت في خفاء عن الناس؟ لا.

لأنك تعلم بأن الله يعلمك, قال الله عز وجل: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف:٨٠] فإذاً: إذا آمنت بأن الله جل وعلا عليم بكل شيء فإنه يستلزم ألا تقوم بمعصيته ولو في الخفاء, وألا تترك طاعته ولو في الخفاء, ولقد قال الله عز وجل عن نوح عليه الصلاة والسلام: {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} [نوح:٧] لئلا يسمعوا {وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ} [نوح:٧] تغطوا بها لئلا يبصروا والعياذ بالله؛ لأنهم يكرهون الحق.