للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (يوم ترى المؤمنين والمؤمنات)]

ثم قال الله عز وجل: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [الحديد:١٢] أي: اذكر للأمة يوم ترى أيها الإنسان المؤمنين والمؤمنات يوم القيامة {يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} يكون من الأمام ومن اليمين، أما من الأمام فلأجل أن يقتدي الإنسان به، لأن النور إذا كان أمام الإنسان تبعه، وأما عن اليمين فتكريماً لليمين، يكون بين أيديهم وبأيمانهم.

وقوله: ((يَسْعَى نُورُهُمْ)) يفيد أن هذا النور على حسب الإيمان؛ لأن الحكم إذا علق بوصف كان قوياً بقوة ذلك الوصف وضعيفاً بضعفه.

إذاً نورهم على حسب إيمانهم.

قال تعالى: {بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ} تقوله الملائكة لهم: (بشراكم) أي: ما تبشرون به (اليوم) يعني يوم القيامة {جَنَّاتٌ} وهذه الجنات فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ} [الزخرف:٧١] فيها ما يشاءون كما قال الله عز وجل: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق:٣٥] وجمعها بأنها جنات متعددة متنوعة درجات مختلفة حسب قوة الإيمان والعمل.

وقوله: {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} أي: تسير والأنهار جمع نهر، وقد بين الله تبارك وتعالى في سورة القتال أنها أربعة أنواع {أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً} [محمد:١٥] وهذه الأنهار لا تحتاج إلى حفر ساقية ولا إلى جدولة، تسير على سطح الأرض حيث شاء أهلها، قال ابن القيم رحمه الله:

أنهارها من غير أخدود جرت سبحان ممسكها عن الفيضانِ

لا تذهب يميناً ولا شمالاً إلا حيث أراد أهلها، وقوله: {مِنْ تَحْتِهَا} إشارة إلى علو قصورها وأشجارها، يعني: تكون هذه الأنهار من تحت هذه القصور العالية والأشجار الرفيعة {خَالِدِينَ فِيهَا} أي: ماكثين فيها، وقد جاءت آيات متعددة بأن هذا المكث دائم، ليس فيه زوال ولا انقطاع ولا تغير {ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (ذلك) المشار إليه ما وعدهم الله به، الجنات التي تجري من تحتها الأنهار (هو الفوز العظيم) (هو) ما يسميه العلماء ضمير فصل، وهو مفيد للتوكيد والاختصاص، أي: هذا الذي ذُكر هو الفوز العظيم، لأنه لا فوز مثله كما أنه لا فوز أعظم منه، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهله إنه على كل شيء قدير.