للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم التوسل بالأنبياء والصالحين وما وجه الخلاف في ذلك]

في الأسبوع الماضي نشرت إحدى المجلات الإسلامية مقالاً لأحد كتابها جاء فيه تحت عنوان قضية التوسل قالوا: أما قضية التوسل بالرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم والأنبياء والملائكة والصالحين من عباد الله فقد ذكر الأستاذ البنا أن هذا من الأمور الخلافية بين الأئمة وأنه خلاف في كيفية الدعاء وليس من مسائل العقيدة، وليس الإمام البنا هو أول من قال بذلك، بل قال به محمد بن عبد الوهاب نفسه كما نقل في مجموع فتاويه، حيث قال في المسألة العاشرة قوله في الاستسقاء: لا بأس بالتوسل بالصالحين، وقول أحمد: يتوسل بالنبي خاصة مع قولهم: إنه لا يستغاث بمخلوق.

فالفرق ظاهر جداً وليس الكلام مما نحن فيه، فكون بعضٍ يرخص بالتوسل بالصالحين وبعضهم يخص بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأكثر العلماء ينهى عن ذلك ويكرهه فهذه المسألة من مسائل الفقه، ولو كان الصواب عندنا هو قول الجمهور: إنه مكروه فلا ننكر على من فعله، فقد تضمن كلام الشيخ أن التوسل بالصالحين أو بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو موضع خلاف بين العلماء وأن الصواب هو قول الجمهور أنه مكروه، وأن هذه المسألة من مسائل الفقه، وهذا أيضاً أقره البنا فلا وجه للإنكار عليه، ولأن موضوع التوسل فقهي لا عقدي تكلمت عنه جميع كتب المذاهب الفقهية على اختلاف أحكامها فيه، ودخل في الموسوعة الفقهية باعتباره من المسائل الفروعية العملية التي تدخل في إطار البحث الفقهي.

وهناك كثيرون من المستقلين عن المذاهب قالوا بإجازة التوسل، منهم: الإمام الشوكاني وهو سلفي معروف في كتابه تحفة الذاكرين شرح الحصن الحصين، وهناك غيره من القدامى والمحدثين، ومنهم من أجاز التوسل بالنبي وحده ولم يجز التوسل بغيره من الأنبياء والصالحين كما هو رأي الإمام العز بن عبد السلام.

والخلاف في المسألة ظاهر يمكنك أن تراجعه في بحث التوسل في الموسوعة الفقهية الكويتية في الجزء الرابع عشر، وبهذا يتضح لنا سلامة ما قاله الشيخ البنا وأنا شخصياً أميل إلى ترجيح عدم التوسل بذات النبي والصالحين وأتبنى رأي شيخ الإسلام ابن تيمية في ذلك.

ما رأيك يا شيخ؟

التوسل بالصالحين الذي ذكره الشيخ محمد بن عبد الوهاب وغيره من الفقهاء ظاهره التوسل بذواتهم والتوسل بدعائهم وهذا ظاهر غير مراد، مرادهم التوسل بالصالحين -أي: بدعائهم- كما فعل عمر رضي الله عنه حين قال: [اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا صلى الله عليه وسلم فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا قم يا عباس فادعو الله] ولو كان التوسل بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جائزاً هل يمكن أن يعدل عمر ومعه الصحابة عن التوسل بالرسول إلى التوسل بـ العباس؟ لا يمكن أبداً.

ثم التوسل بذواتهم وبجاههم ما فائدته؟ ليس سبباً لإجابة الدعاء، التوسل أصله التوصل، أي: أن نتخذ من هذا الذي توسلنا به ما يوصلنا إلى مقصودنا، وذات النبي أو جاهه ليس لنا فيه منفعة، فكل ما ورد من كلام العلماء المعروفين بالتوسل بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فمرادهم التوسل بالإيمان به أو التوسل بدعائه إن كان حياً، وكذلك التوسل بالصالحين يعني: التوسل بدعائهم، هذا هو الصحيح.

وسبحان الله! كيف يصر بعض الناس على أن يقول: هذا جائز ويورد عليه هذه المشتبهات وعنده توسل جائز ما فيه إشكال ويعدل عنه، لولا أنها فتنة، لماذا لا يقول: ربنا إننا آمنا فاغفر لنا كما يقول المؤمنون، لكن بعض الناس مغرم بإثارة المسائل الخلافية.

أما هل هو عقيدة أو حكم فرعي؟ فهذه المسألة الخلاف فيها لفظي.

المهم أنه هل يجوز أم لا يجوز؟ والذي نرى أنه لا يجوز أن نتوسل بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بذاته أو بجاهه، وإنما نتوسل بالإيمان به واتباعه.