للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (إن الله بكل شيء عليم)]

قال تعالى: إن الله بل شيء عليم) اللهم ارزقنا الإيمان بهذا، واعصمنا به من الزلل.

أنت -يا أخي- إذا آمنت أن الله عليم بكل شيء حتى الذي في قلبك لا بد أن تخشى الله.

قال الله عز وجل: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً} [النساء:١٠٨] فاحذر احذر احذر! أن يعلم الله منك ما يكون مغضباً لله عز جل، واعلم أن لديك رقيب، ما من إنسان إلا لديه رقيب عتيد، رقيب مراقب وعتيد حاضر {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:١٨] يكتب كلما يلفظ، اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، ونسألك ألا تزيغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وأن تهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.

العجيب أن بعض الطوائف انحرفت انحرافاً شديداً في مسألة المعية! بعضهم قال: إن الله معنا حال في الأمكنة! وهذا كما علمت خطير جداً، إذا مات الشخص على هذا الحال فلا ندري أمات كافراً أم مسلماً حتى وإن كان يصلي؛ لأنه تنقص الله عز وجل؟ والعجب أن هؤلاء لو قلت لهم: ادعوا الله، أين يرفعون أيديهم؟ إلى السماء، يقولون: يا الله، لا يحرفونها يميناً ولا يساراً ولا أسفل، إنما إلى السماء، فهم بفطرتهم يقرون بأن الله في السماء ولكن بأهوائهم لا يقرون بهذا، حجتهم يقولون: لو كان فوق لكان محدوداً ولكان جسماً، وما أشبه ذلك من إلهامات الشيطان، فنقول: لا.

لا يكون محدوداً، هو فوق وليس شيء يحده، فوق كل شيء، كل شيء تحته، ولا شيء يحده، يقولون: يلزم أن يكون جسماً.

نقول: إن كان يلزم من إثبات ما أثبته الله جسماً فليكن، وإذا لزم أن يكون جسماً وهو مما يستلزمه كلام الله ورسوله فليكن، ولكننا نطهر ألسنتنا أن نقول: إنه جسم أو غير جسم، مالنا حق أن نتكلم بهذا، نؤمن بما أخبر الله به عن نفسه أو أخبر به عنه رسوله، ولا نقدر جسم غير جسم عرض! ليس لنا حق؛ لأن الله تعالى بذاته يفارق كل ذات، فهو ليس من جنس المخلوقات في أي حال من الأحوال، قال الله عز وجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:١١] .

فوصيتي لمن يسمعني: أن يثبت لله ما أثبته لنفسه، ولا يقول: كيف ولا لم؟ لأن الله أعظم مما تحيط به العقول، وأن ينفي ما نفاه الله عن نفسه، وأن يسكت عما سكت الله عنه ورسوله، هذه حقيقة الإيمان، أما الذي يحكم على الله بعقله فهذا ضال متبع لهواه، لا ينفعه إيمانه.

وعكس هذا طائفة أخرى ضالة تقول: لا تقل: إن الله فوق ولا تحت، ولا هو يمين ولا شمال، ولا متصل بالعالم ولا منفصل عن العالم، أين يذهب؟ ما في شيء! إذا وصفنا الله بهذه الأوصاف السلبية يعني: أن الله لم يكن شيئاً، ولهذا قال محمود بن سبكتكين رحمه الله وهو من أمراء الدولة العباسية العظماء، سأل أحد أئمة الكلام وهو أبو بكر ابن فورك سأله عن الله عز وجل فقال: إنه ليس فوق ولا أسفل، ولا يمين ولا شمال، ولا متصل ولا منفصل.

فقال له محمود: فرِّق لي بين العدم وبين ما تقول؟ هل صحيح أم غير صحيح؟ صحيح، إذا كان هكذا معناه معدوم، فرِّق لي بين إلهك الذي تدعيه وبين العدم؟ فبهت الذي كفر -عجز على أن يتكلم- فانظر إلى انحرافين باطلين: الأول: الانحراف الحلولي.

والثاني: الانحراف السلبي.

أما السلف والأئمة فقالوا: نؤمن بأن الله فوق كل شيء، وحاشاه أن يكون في الأسفل، ولكنه مع الخلق محيط بهم عالم سميع بصير إلخ.

اللهم اهدنا فيمن هديت، وإلى هنا ينتهي التفسير.