للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (إنما أنت منذر من يخشاها)]

قال تعالى: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا} [النازعات:٤٥] أي: ليس عندك علم بها ولكنك منذر، (من يخشاها) أي: يخافها وهم المؤمنون، أما من أنكرها واستبعدها وكذبها فإن الإنذار لا ينفعه: {وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} [يونس:١٠١] ولهذا نقول: أنت لا تسأل متى تموت ولا أين تموت؛ لأن هذا أمر لا يحتاج إلى سؤال، هذا أمرٌ مفروغ منه ولا بد أن يكون، ومهما طالت بك الدنيا فكأنما بقيت يوماً واحداً، بل كما قال تعالى هنا: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَاّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} [النازعات:٤٦] ولكن السؤال الذي يجب أن يَرِدَ على النفس، ويجب أن يكون لديك جواب عليه هو: على أي حال تموت؟! لا أريدك أن تسأل: هل أنت غني أو فقير؟ قوي أو ضعيف؟ ذو عيال أو عقيم؟ بل: على أي حال تموت من حيث العمل، فإذا كنت تسأل نفسك هذا السؤال فلا بد أن تستعد؛ لأنك لا تدري متى يفاجئك الموت، كم من إنسان خرج يقود سيارته ورُجِعَ به محمولاً على الأكتاف، وكم من إنسان خرج من أهله يقول: هيئوا لي طعام الغداء أو العشاء ولا يأكله، وكم من إنسان لبس قميصاً وزرَّ أزرته، ولم يفكها إلا الغاسل قبيل أن يغسله، هذا أمر مشاهد لكل أحد، بحوادث.

!! بغتة على أي حال، فينبغي أن تنظر الآن، وتفكر على أي حال تموت؟ نسأل الله أن يرزقنا وإياكم التوبة والإنابة.

ولهذا ينبغي أن تكثر من الاستغفار ما استطعت، فإن الاستغفار فيه من كل هم فرج، ومن كل ضيق مخرج، حتى إن بعض العلماء يقول: إذا استفتاك شخص فاستغفر الله قبل أن تفتيه؛ لأن الذنوب تحول بين الإنسان وبين الهدى، واستنبط ذلك من قول الله تبارك وتعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً * وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً} [النساء:١٠٥-١٠٦] .

وهذا استنباط جيد يمكن أيضاً أن يستنبط من قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد:١٧] والاستغفار من الهدى، لذلك أوصي نفسي وإياكم بالمراقبة، وكثرة الاستغفار ومحاسبة النفس، حتى نكون على أهبة الاستعداد لما نخشى أن يفاجئنا من الموت، نسأل الله أن يحسن لنا ولكم الخاتمة.