للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفسير قوله تعالى: (فلينظر الإنسان إلى طعامه)

ثم قال عز وجل مذكراً الإنسان بما أنعم عليه: {فَلْيَنْظُرْ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً} [عبس:٢٤-٢٥] أي: فلينظر إلى طعامه من أين جاء؟ ومن جاء به؟ وهل أحد خلقه غير الله؟ وينبغي للإنسان أن يتذكر عند هذه الآية قول الله تبارك وتعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ * إِنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} [الواقعة:٦٣-٦٧] من الذي زرع هذا الزرع حتى استوى؟ ويسر الحصول عليه حتى كان طعاماً لنا؟ هو الله عز وجل، ولهذا قال: (لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً) بعد أن نخرجه نحطمه حتى لا تنتفعوا به: {أَفَرَأَيْتُمْ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنْ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ} [الواقعة:٦٨-٧٠] وهنا يقول: {فَلْيَنْظُرْ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ} [عبس:٢٤] من أين جاءه، {أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً} [عبس:٢٥] أي: من السحاب {ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقّاً} [عبس:٢٦] بعد نزول المطر عليها تتشقق بالنبات: {فَأَنْبَتْنَا فِيهَا} [عبس:٢٧] أي: في الأرض {حَبَّاً * وَعِنَباً وَقَضْباً * وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً * وَحَدَائِقَ غُلْباً * وَفَاكِهَةً وَأَبّاً} [عبس:٢٧-٣١] أنبتنا فيها حباً كالبر والأرز والذرة والشعير وغير ذلك من الحبوب الكثيرة (وَعِنَباً) معروف، (وَقَضْباً) قيل: إنه القتّ وهو معروف، (وَزَيْتُوناً) معروف (وَنَخْلاً) كذلك.

(وَحَدَائِقَ غُلْباً) الحدائق جمعها حديقة، و (الغلب) كثيرة الأشجار، و (فاكهةً) أي: ما يتفكه به الإنسان من أنواع الفواكه، (وَأَبّاً) الأب نبات معروف عند العرب ترعاه الإبل {مَتَاعاً لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ} [عبس:٣٢] أي: أننا فعلنا ذلك متعة لكم يقوم بها عودكم وتتمتعوا بها أيضاً بالتفكه بهذه النعم.