للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وجوب العدل بين طلاب أهل السنة والرافضة]

من المعلوم -يا شيخ- لديكم أنه يوجد عندنا نحن في المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام الرافضة بكثرة، ويدرسون معنا في المدارس كلها، فيسأل بعضُ المدرسين فيقول: هل يجب علي أن أعدل بينهم وبين الطلاب الذين هم من أهل السنة أم أقصر في حقهم ولا أعطيهم حقهم؛ لأنهم -كما يقول هو- أعداء لله ولرسوله، وهم كما قال كثير من أهل العلم: كفار خارجون عن الملة.

أولاً: أعجبني قولك: المدينة النبوية؛ لأن المشهور عند الناس المدينة المنورة، والصواب: المدينة النبوية؛ لأن النور كان في مكة أيضاً قبل أن يكون في المدينة.

ثانياً: الواجب على المدرس أن يحكم بالعدل، قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَاّ تَعْدِلُوا} [المائدة:٨] أي: لا يحملكم بُغْض قوم على ألا تعدلوا {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:٨] حتى إن العلماء قالوا: يجب على القاضي إذا تحاكم إليه خصمان أحدهما مسلم والثاني كافر أن يجلسهما منه مجلساً واحداً، فلا يقول للمسلم: تعال هنا وللكافر: اذهب هناك، لا.

بل يجعلهما جميعاً أمامه، وأن يعدل بينهما في الكلام، فلا يغلظ الكلام للكافر ويرققه للمسلم، فلا يقول للمسلم: صبحك الله بالخير ولا يقوله للكافر، بل يجعلهما سواء في باب المحاكمة؛ لأن هذا هو العدل.

فهؤلاء التلاميذ إذا قدموا أجوبتهم فليَغُضَّ النظر عن كونه فلاناً أو فلاناً، ليصحح على ما كان أمامه من قول، إن صواباً فهو صواب، وإن خطأً فهو خطأ، كما أنه لا يجوز أن ينظر -إذا كان يعرف صاحب الجواب- إلى حال الطالب من قبل، هل هو فاهم أو غير فاهم؛ لأن بعض الناس أو بعض المدرسين يقَدِّر درجات التلاميذ على حسب ما كان يعرفه منهم، وهذا غلط، بل يجب أن يقدر الدرجات أو الترتيب على حسب ما رُفِع إليه في الجواب النهائي؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إنما أقضي بنحوِ ما أسمع) .

وكثيراً ما يكون الطالب جيداً، فيتوهم في الجواب أو في السؤال، فيفهم السؤال على أن السائل أراد به كذا، ويجيب بحسب هذا الفهم.

أو يتوهم في الجواب فيظن أن جواب هذا السؤال هو كذا وكذا، وهو غلط، مثل أن يكون في السؤال: كم أقسام الحديث؟ فيظن الطالب أن المراد: كم أقسامه من حيث العدد، فيقول: متواتر ومشهور وعزيز، وغريب وغيره.

ويتوهم آخر أن المراد: مراتب الحديث من حيث الصحة فيقول: صحيح، وحسن، وضعيف.

والصحيح إما لذاته أو لغيره، والحسن إما لذاته أو لغيره.

فالمهم: أن الواجب على المدرس إذا قدمت إليه أوراق الإجابة، أن يصحح حسب الجواب بقطع النظر عن المجيب.

وكذلك في أثناء التدريس يجب أن يعدل بين التلاميذ مهما كان الأمر، وهو بهذه الطريقة يفتح آفاقاً بعيدة قد لا يدركها؛ لأن الخصم يفهم أنه لم يتحدَّاه، فيرغب فيه ويقول: هذا مُنْصِف، وعادل، ويجره ذلك إلى أن يألَفَه ويقبل منه ما يقول.

ولهذا فنحن ننصح إخواننا المدرسين في البلاد التي ذكرتَ، والتي يختلط فيها أهل السنة وأهل البدعة أن يحاولوا بقدر المستطاع تأليف أهل البدعة وجذبهم إليهم؛ لأن الشباب لَيِّن العريكة، ولهذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (اقتلوا شيوخ المشركين، واستبقوا شَرْخَهم) أي: شبابهم؛ لكي يجتذبهم لكن لو أن الأستاذ يعامل طلابه من أهل البدعة بالقسوة والآخرين باللين، أو يعاملهم بالتشديد في التصحيح والآخرين بالتخفيف، أو يعاملهم بإسقاطهم وهم مجيبون صواباً، فلا شك أن هذا يولِّد في قلوبهم البغضاء والكراهية، حتى للحق الذي كان عند هذا الأستاذ.