للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (مطاع ثم أمين)]

يقول عزَّ وجلَّ: {مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} [التكوير:٢١] (مُطاعٍ ثَمَّ) أي: هناك (أمينٌ) على ما كُلِّف به، فجبريل هو المُطاع، فمَن الذي يطيعه؟! قال العلماء: تطيعه الملائكة؛ لأنه ينزل بالأمر من الله، فيأمر الملائكة فتطيعه، فله إمرة، وله طاعة على الملائكة، ثم الرسل عليهم الصلاة والسلام، الذين ينزل جبريل عليهم بالوحي، لهم إمرة وطاعة على المكلَّفين، {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} [المائدة:٩٢] .

ولما أقسم الله عزَّ وجلَّ على أن هذا القرآن قول هذا الرسول الكريم الملكي ففي آية أخرى بيَّن الله سبحانه وتعالى وأقسم أن هذا القرآن قول رسول كريم في قوله تعالى: {فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لا تُبْصِرُونَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ} [الحاقة:٣٨-٤١] فهل الرسول هناك هو الرسول هنا؟

لا.

الرسول هنا في سورة التكوير رسولٌ ملكي أي: من الملائكة، وهو جبريل.

والرسول هناك رسول بشري، وهو محمد عليه الصلاة والسلام.

والدليل على هذا واضح: هنا قال: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ} [التكوير:١٩-٢٠] وهذا الوصف لجبريل، هو الذي عند الله، أما محمد عليه الصلاة والسلام فهو في الأرض.

وهناك قال: {فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لا تُبْصِرُونَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ} [الحاقة:٣٨-٤١] رداً على قول الكفار الذين قالوا: إن محمداً شاعر {وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ} [الحاقة:٤٢] .

أيهما أعظم قسماً: {فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ * وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ} [التكوير:١٥-٢٠] أو {فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لا تُبْصِرُونَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} [الحاقة:٣٨-٤٠] ؟ أيُّ القسَمين أعظم؟ الثاني أعظم، لأنه لا يوجد شيءٌ أعمُّ منه؛ {بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لا تُبْصِرُونَ} [الحاقة:٣٨-٣٩] ، كل الأشياء إما نبصرها أو لا نبصرها، إذاً: أقسم الله بكل شيء، ولكن هنا أقسم بالآيات العُلْوية فقط؛ {فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ} [التكوير:١٥-١٦] والليل، والنهار، هذه آيات عُلْوية أُفُقية، لاحظوا! سبحان الله! تناسب الرسول الذي أُقْسِم على أنه قوله، وهو: جبريل؛ لأن جبريل من عند الله.

إذا قال قائل: كيف يصف الله القرآن بأنه قول الرسول البشري، والرسول الملكي؟! نقول: الرسول الملكي بلَّغه إلى الرسول البشري، والرسول البشري بلغه إلى الأمة، فصار قول جبريل بالنيابة، وقول محمد بالنيابة، فمن القائل الأصلي الأول؟! القائل الأول هو: الله عزَّ وجلَّ.

فالقرآن قول الله حقيقةً، وقول جبريل باعتبار أنه بلَّغه إلى محمد، وقول محمد باعتبار أنه بلغه إلى الأمة.