للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حكم ترك السنة خوفاً من أذية الناس

التورُّك في الصلاة بالنسبة للمأموم إذا كان يضايق مَن بجانبه، أيهما أفضل: أن يتورَّك، أو أن يتركها؟ لأن كثيراً من الناس لا يستطيع أن يتورَّك إلا إذا اتكأ على مَن بجانبه؟

التورُّك في الصلاة معروف؛ أن تنصب اليمنى وتخرج اليسرى من الجانب الأيمن وتتورَّك، أي: أنك تضع وَرِكَكَ على الأرض، وهذا يوجب من الإنسان أن يتجافى قليلاً، وربما يكون الصف متضايقاً والناس مزدحمين فيه فيؤذي مَن إلى جانبه.

فهنا اجتمع عندنا شيئان: فعل سنة.

ودفع أذى عن المسلم.

فأيهما أولى: فعل السنة، أو دفع الأذى؟ دفع الأذى؛ لأن أذية المؤمن ليست بالهينة، أذية المؤمن ولو بالقول فضلاً عن الفعل الذي يحصل في الصلاة ويشوِّش عليه صلاته، أذية المؤمن تكون بالقول أو بالفعل، يقول الله عز وجل فيها: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً} [الأحزاب:٥٨] .

ويقول عليه الصلاة والسلام: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جارَه) .

وخرج مرَّةً على أصحابه وهم في المسجد يصلون ويجهرون بالقراءة، فقال: (كلكم يناجي ربه، فلا يؤذِيَنَّ بعضُكم بعضاً في القراءة) ، أين هي الأذية؟! الأذية أنك إذا جهرت شوَّشتَ على الذين هم حولك فآذيتَهم.

ومِن ثَمَّ نعرف أن بعض الإخوة الذين يصلون بالمايكروفون الذي يُسْمَع من المنارة ويشوِّش على المساجد التي حوله أنهم ليسوا على صواب، وأنهم إن لم يكونوا آثمين فليسوا غانمين، إذْ لا فائدة من رفع الصوت على المنارة، ما الفائدة منه؟! هل فيه فائدة؟! أبداً، ما فيه فائدة، فيه مدعاة للكسل؛ لأن بعض الناس الذين في البيوت يقولون: لِتَوِّهِ صَلَّى، لِتَوِّهِ بَدَأ، أَصْبِرُ حتى إذا بقيت ركعة ذهبت.

ثم ربما يذهب إذا بقيت الركعة، ولا يدركها، ففيها مدعاة للكسل.

وفيها -أيضاً- أذية للجيران، فربما يكون بعض الناس مريضاً أو قلقاً كل الليل، فإذا أُذِّن للفجر صلى الفجر ثم رقد ليستريح، فيأتي هذا الصوت الكبير فيزعجه ولا ينام، فهذه أذية.

والمساجد الأخرى أيضاً تتأذى! بَلَغَنا أن بعض الناس لما كَبَّر المسجد الذي بجواره تابعه، وهذا إخلال بمتابعة إمامه، ما سببها؟! سببها هذا المايكروفون الذي يُسْمَع من المنارة.

وبلغني عن بعض الناس قال: إن لنا مسجداً قريباً منا، قراءة إمامه جيدة، أداءٌ طيب، وصوت جميل، وإمامنا من الناس الذي تَمْشي حالُه، فكان إذا قرأ الإمام الذي بجوارنا تابعتُه، وأنصتُ لقراءته، وتركت إمامنا يسرح.

فهذه أذية عظيمة.

وأنا دائماً أفكر وأقول: ما هي النتيجة التي نحصلها من وراء هذا؟! ثم لو فُرِض أن هناك مصلحة فإنها تقابلها الأذية، والرسول قال لأصحابه يخاطبهم؛ يخاطب أفضل القرون وخير القرون، قال: (لا يؤذِيَنَّ بعضُكم بعضاً) فجعل ذلك أذية، وصَدَق الرسول، إنها أذية.

فهذه القاعدة انتبه لها: تركُ السنة لدفع الأذية خير من فعل السنة مع الأذية، فهذا المتورِّك إذا كان بتَوَرُّكِه يؤذي جاره فلا يتورَّك، وإذا علم الله من نيته أنه لولا هذا لَتَوَرَّكَ فإن الله تعالى يثيبه؛ لأنه يكون كمن قال فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم: (مَن مرض أو سافر كُتِب له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً) .

السائل: بعضهم يشغل المايكروفون ليُسْلِم مَن أراد أن يُسْلِم! الشيخ: يُسْلِم، هل نحن في دار كفر؟! السائل: أو أنه يهتدي.

الشيخ: هذا إذا كان يريد أن يهتدي، وما سمعنا أحداً اهتدى بهذا أبداً.

مداخلة: وربما اختلط بالرياء! الشيخ: والرياء الله أعلم! إذا كان الإمام قصده الرياء فهذا شيء آخر.