للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تفسير قوله تعالى: (ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا)

قال تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} [البقرة:٢٨٦] الإصر يعني: الثقل والأغلال، فالمؤمنون من هذه الأمة يسألون الله عز وجل ألا يحمل عليهم إصراً كما حمله على الذين من قبلهم، فقال الله: قد فعلت بقوله تعالى في وصف الرسول عليه الصلاة والسلام: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف:١٥٧] فالله تعالى وضع الإصر والأغلال التي كانت على من سبقنا بهذا الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه.

ونضرب لكم مثلاً: بنو إسرائيل لما عبدوا العجل ماذا ألزموا به لتصح توبتهم؟ قيل لهم: لا توبة لكم إلا أن تقتلوا أنفسكم، وهذا إصر وغل عظيم، توبتنا نحن ولله الحمد بيننا وبين الله، إذا تاب الإنسان إلى ربه وتمت شروط التوبة الخمسة والتي أمليناها عليكم سابقاً فإنها تقبل، والخمسة نذكرها بإيجاز: من يعطينا بإيجاز شروط التوبة الخمسة؟ ١.

الإخلاص بأن لا يحمل الإنسان على التوبة مراعاة الناس أو الرفعة عندهم أو الجاه أو ما أشبه ذلك.

٢.

الندم على فعل المعصية.

٣.

الإقلاع عن الذنب.

٤.

العزم على ألا يعود، ليس عدم الرجوع، لو قلنا: عدم الرجوع معناه: لو رجع إليه مرة ثانية لبطلت الأولى، أليس كذلك؟ لكن قلنا: العزم على ألا يعود، ولا نقول: ألا يعود، بل نقول: العزم على ألا يعود؛ لأنه إذا عزم ألا يعود ثم سولت له نفسه بعد ذلك أن يعود فالتوبة الأولى صحيحة.

٥.

أن تكون في وقت التوبة، وما هو وقت التوبة بالنسبة لكل واحد على انفراد؟ قبل حضور الأجل، ما هو الدليل؟ قال الله تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ} [النساء:١٨] لا ينفع.

فرعون لما أدركه الغرق ماذا قال؟ قال: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ} [يونس:٩٠] انظروا -يا إخواني! - الذل، أعوذ بالله من الذل! فرعون ما قال: آمنت أنه لا إله إلا الله، قال: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ} [يونس:٩٠] فجعل نفسه تبعاً لبني إسرائيل، بينما كان في الأول يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم، ذل نسأل الله العافية! لكن ماذا قيل له؟ (آالآن تتوب) يعني: آلآن تتوب وتؤمن أن لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ} [يونس:٩١-٩٢] ننجيك ببدنك: بأن نبقى بدنك ظاهراً، أما روحك ففي النار، لماذا؟ {لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} [يونس:٩٢] والذين كانوا خلفه هم بنو إسرائيل، أي: لتكون علامة على أنك هلكت.

يا إخواني: بنو إسرائيل قد أفزعهم فرعون وآذاهم، وإذا غرق فرعون وقومه فقد يكون عند بني إسرائيل احتمال أن فرعون لم يغرق، فأنجى الله بدنه حتى يكون علامة على أنه هلك فيطمئن بنو إسرائيل.

إذاً: شروط التوبة خمسة، كلها سهلة يستطيع الإنسان أن يقوم بها بدون كلافة، لكن بنو إسرائيل عليهم آصار وأغلال، ومن الآصار والأغلال: أن الإنسان إذا قتل أحداً وجب عليه -أي: على أولياء المقتول- أن يقتلوا القاتل وجوباً، لماذا؟ لأنه هكذا قال: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة:٤٥] .

إلى قوله: {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة:٤٥] لكن هذه الأمة قال الله لهم لما ذكر: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة:١٧٨] قال: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة:١٧٨] فالمهم أن الله تعالى رفع عنا والحمد لله الآصار التي كانت على من قبلنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>