للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حكم التوسل بحق الرسول وبمحبته]

السؤال

هل يجوز للمسلم عند الدعاء أن يقول: اللهم بحق رسول الله أو بمحبته؟

الجواب

التوسل إلى الله عز وجل بالدعاء أو حال الدعاء إنما يكون فيما صح أن يكون وسيلة؛ لأن الوسيلة: هي كل ما يتوصل به الإنسان إلى حصول مقصوده، وعلى هذا فلابد أن تكون الوسيلة شرعية أو قدرية.

وهنا يحسن أن نتكلم على الوسيلة في الدعاء.

الوسيلة في الدعاء على أقسام: القسم الأول: أن يتوسل إلى الله تبارك وتعالى بأسمائه وصفاته، فنجعل الأسماء القسم الأول، والصفات القسم الثاني.

دليل التوسل بالأسماء: حديث ابن مسعود رضي الله عنه: (أسألك بكل اسمٍ هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك؛ أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي إلخ) هذا توسل بالأسماء، سواء على وجه العموم كهذا الحديث، أو على وجه الخصوص مثل الدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه: (فاغفر لي مغفرةً من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم) .

القسم الثاني: التوسل إلى الله تعالى بصفاته، ومنه الحديث المشهور: (اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني إذا علمت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي) ، ومنه أيضاً دعاء الاستخارة: (اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك.

إلخ) .

القسم الثالث: التوسل إلى الله تعالى بأفعاله، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم حينما علم أمته كيف يصلون عليه: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم) فتوسل الداعي بصلاته على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وهي من فعله أن يصلي على محمدٍ وعلى آل محمد، فهذا التوسل إلى الله بفعله تبارك وتعالى.

القسم الرابع: التوسل إلى الله بالإيمان به، وهذا كثير في القرآن: {رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:٦] فهذا توسل بالإيمان به جل وعلا.

القسم الخامس: التوسل إلى الله باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، مثل قول الله تعالى: {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران:٣] .

القسم السادس: التوسل إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة؛ أن يتوسل الإنسان بالأعمال الصالحة، ومن ذلك قصة أصحاب الغار: ثلاثة آواهم المبيت فدخلوا في غار، فلما دخلوا فيه أطبقت عليهم صخرة على باب الغار وعجزوا أن يتخلصوا منها، فقال بعضهم لبعض: توسلوا إلى الله تعالى بأعمالكم الصالحة، فتوسلوا إلى الله تعالى بأعمالهم الصالحة، أحدهم توسل إلى الله تعالى ببره لوالديه، والثاني توسل إلى الله تعالى بعفته، والثالث توسل إلى الله بأمانته، فانفرجت الصخرة وخرجوا يمشون، هذا التوسل بالأعمال الصالحة.

القسم السابع: التوسل إلى الله تبارك وتعالى بدعاء الصالحين، وذلك بأن تطلب من شخصٍ صالحٍ بأن يتوسل إليك، أن يدعو لك، مثل: توسل الصحابة بدعاء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقد: (دخل رجلٌ يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب قال: يا رسول الله! هلكت الأموال وانقطعت السبل من قلة المطر والنبات فادع الله أن يغيثنا، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وهو على المنبر، وقال: اللهم أغثنا! اللهم أغثنا! اللهم أغثنا! ثلاث مرات، قال أنس -وهو راوي الحديث-: فوالله ما في السماء من سحابٍ ولا قزعة -السحاب: الغيم المنتشر، والقزعة: القطعة الصغيرة- وما بيننا وبين سبع من بيتٍ ولا دار - سبع جبل معروف في المدينة تأتي من نحوه السحاب- فخرجت من ورائه سحابة مثل الترس -والترس ما يتوقى به المقاتل السلاح- فلما توسطت السماء انتشرت ورعدت وبرقت في الحال، قال: فما نزل النبي صلى الله عليه وسلم عن منبره إلا والمطر يتحادر من لحيته) سبحان الله! سبحان القادر على كل شيء! وهذا من آيات الله وآيات رسول الله، من آيات الله: هذه القدرة العظيمة؛ حيث أنشأ الله هذه السحابة ورعدت وبرقت وأمطرت، من آيات الرسول: حيث إن الله تعالى أجاب دعوته بهذه السرعة، لو كان كذاباً ما أجاب الله دعوته.

بقي المطر أسبوعاً كاملاً لم يروا الشمس، فدخل رجلٌ أو الرجل الأول من الجمعة الثانية والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، قال: (يا رسول الله! غرق المال، وتهدم البناء، فادع الله يمسكه، فقال صلى الله عليه وسلم: اللهم حوالينا ولا علينا ويشير إلى النواحي، فما أشار إلى ناحية إلا انفردت السحاب فخرجوا يمشون في الشمس) هذا التوسل بدعاء الصالحين؛ بأن تطلب من الرجل الصالح أن يدعو لك.

ولما أصيب الناس بالقحط في زمن عمر بن الخطاب قال: [اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتسول إليك بعم نبينا فاسقنا] ثم طلب من العباس أن يقوم فيدعو الله، فدعا.

ولكن هل هذا من المستحسن أن تطلب من الرجل أن يدعو لك؟ الجواب: لا.

ليس من المستحسن، ادع الله أنت بنفسك لقول ربك جل وعلا: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:٦٠] لكن إذا كان لمصلحة الناس كما لو طلبت من رجل تتوسم فيه الخير أن يدعو الله تعالى بإنزال المطر، أو أن يشفي المريض الفلاني، يعني: ليس لنفسك، هذا لا بأس به؛ لأنه إحسان إلى الغير، أما لنفسك فلا تفعل؛ لأن هذا السؤال فيه محذوران: المحذور الأول: أنه نوعٌ من الذل، الإنسان يسأل، كأنما يقول: أعطني ريالاً.

والثاني: أن فيه غروراً للمسئول، لأن المسئول قد يُعجب بنفسه وينتفخ، يقول: أنا ولي من أولياء الله، الناس يسألونني أن أدعو الله لهم، فيحصل في ذلك غرور.

لكن قال بعض العلماء: لو سألت من أخيك أن يدعو الله لك من أجل الإحسان إليه، ليس من أجل أن يحسن لك، أن تحسن أنت إليه، بأن تنوي أن يثاب على دعائه لك لأنه إحسان، وتنوي أيضاً أن يقول الملك له إذا دعا لك بالغيب له: آمين ولك مثله، أما قول الإنسان كلما رأى رجلاً يتوسم فيه الخير والصلاح: يا فلان! ادع الله لي، أو أسألك الدعاء، فهذا ليس بحسن.

وإذا توسل الإنسان بمحبته للرسول عليه الصلاة والسلام وقال: اللهم إني أسألك بحبي لنبيك أن ترزقني كذا وكذا، فهذا جائز؛ لأن حب النبي صلى الله عليه وسلم عبادة يتقرب الإنسان بها إلى ربه عز وجل، ويجب عليك أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إليك من نفسك وولدك ووالدك والناس أجمعين.

وانظروا يا إخواني! التحيات لله، أول ما نقدم فيها حق الله عز وجل: (التحيات لله والصلوات الطيبات) ثم بعد ذلك حق الرسول صلى الله عليه وسلم: (السلام عليك أيها النبي! ورحمة الله وبركاته) ثم بعد ذلك حق نفسك: (السلام علينا) ثم بعد ذلك حق إخوانك المسلمين: (وعلى عباد الله الصالحين) مما يدل على أن أعظم الحقوق وأولاها في التقديم هو حق رب العالمين، ثم حق رسوله الأمين عليه الصلاة والسلام، ثم حق النفس، ثم حق الصالحين.

في صلاة الجنازة التكبيرة الأولى: الفاتحة؛ الثناء على الله.

الثانية: الثناء على الرسول.

الثالثة: دعاء عام للمسلمين.

الرابعة: دعاء خاص للميت.

لماذا قدمنا حقنا في: (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) على عباده الصالحين؟ لأن حق النفس مقدم على غيرها.

لكن في الدعاء للميت ستدعو لغيرك، والعموم أولى من الخصوص، تأملوا هذه المعاني العظيمة والأحكام البالغة في الشريعة، يتبين لك أنها من لدن حكيم خبير.

إذاً: التوسل إلى الله بمحبة الرسول جائز؛ لأنك تثاب على ذلك.

وبالمناسبة نسمع كثيراً من الناس يقولون: إبراهيم خليل الله، ومحمد حبيب الله، هل هذا صواب أم خطأ؟ إن هذا خطأ لأن إبراهيم خليل الله، ومحمد خليل الله أيضاً، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً) والخلة أعلى من المحبة، ولهذا لا نعلم أحداً من المخلوقين اتخذه الله خليلاً إلا إبراهيم ومحمداً عليهما الصلاة والسلام، لكن نعلم أن الله يحب المؤمنين، يحب المتقين، يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً، لكن هل يمكن أن تقول: إن الله خليل الذين يقاتلون في سبيله صفاً؟! لا.

لا يمكن، وهل يمكن أن تقول: إن الله خليل المؤمنين؟! لا.

إذاً: قل: إن إبراهيم خليل الله، ومحمداً خليل الله أيضاً.

أما التوسل بحق الرسول فغير جائز؛ لأن حق الرسول الذي ينتفع به هو الرسول صلى الله عليه وسلم، إلا إذا قصد القائل بحق الرسول عليَّ وهو الإيمان به واتباعه صار هذا من باب التوسل بالأعمال الصالحة.

وكذلك التوسل بجاه الرسول الصواب أنه لا يجوز، وأقول: يا أخي المسلم! بدلاً من أن تتوسل بأشياء مشتبهة وأشياء مختلف فيها، توسل إلى الله بشيء واضح لا إشكال فيه، عندك أنواع التوسل الجائز وهي سبعة أنواع كما ذكرنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>