للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[باب النهي]

(والنهي) عقد هذا الباب للنهي: وهو ضد الأمر، فعرفه بقوله: [والنهي استدعاء الترك بالقول ممن هو دونه على سبيل الوجوب] ، فتعريفه ضد تعريف الأمر، (فهو استدعاء الترك) أي: طلب الترك، (بالقول) سواء كان باللفظ أو بالإشارة أو بالخط (ممن هو دونه) هذا شرط للعلو أو الاستعلاء، (على سبيل الوجوب) ليقتضي ذلك الجزم، والأولى عدم ذكر هذا في التعريف؛ لأن النهي أيضاً يطلق بقيد شيء -أي بقيد الجزم- فيدل على التحريم حينئذٍ.

وبقيد لا شيء -أي: بقيد عدم الجزم- فيدل على الكراهة، ولا بقيد شيء، فهو النهي المطلق الذي يشمل التحريم والكراهة.

قوله: [ويدل على فساد المنهي عنه] مقتضى الأمر التكليفي هو الوجوب -على الراجح- كما سبق عند الإطلاق، وقد يدل على الندب وقد يدل على الإباحة بالقرائن، والنهي مقتضاه التكليفي التحريم -على الراجح أيضاً- وقد يقتضي الكراهة، وأما مقتضاهما الوضعي فإن مقتضى الأمر الوضعي الصحة، ومقتضى النهي الوضعي البطلان والفساد.

ولهذا قال: (ويدل على فساد المنهي عنه) أي: يدل الأمر على فساد المنهي عنه، فإذا نهى الشارع عن أمر فليس لذلك الأمر حقيقة؛ لأن المعدوم شرعاً كالمعدوم حساً، فيدل على فساد المنهي عنه، فلا يترتب عليه أي أثر؛ لأنه فاسد.

قال المصنف: [وترد صيغة الأمر والمراد به: الإباحة أو التهديد أو التسوية أو التكوين] .

يقصد أن صيغة الأمر قد ترد لغير المعنى الأصلي؛ لقرينة تدل على ذلك، فقد ترد للإباحة كقول الله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة:٢] ، فاصطادوا هنا لا تدل على الوجوب وإن كانت صيغة أمر، ولا تدل أيضاً على الندب، بل تدل على الإباحة.

وكذلك قد ترد صيغة الأمر للدلالة على التهديد، فلا يقصد بها حينئذ الأمر، كقول الله تعالى: {قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ} [إبراهيم:٣٠] ، فليس هذا أمراً بالتمتع على حقيقته، بل المقصود به التهديد، ومثله: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف:٢٩] فهذا للتهديد.

ويرد كذلك للتسوية، وهي: التسوية بين الفعل والترك، وذلك مثل قول الله تعالى: {فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ} [الطور:١٦] ، فاصبروا هنا ليس الأمر فيها للوجوب، بل هو للتسوية؛ بدلالة ما بعدها، فالقرينة المقالية اقتضت صرف الأمر عن معناه الأصلي.

قوله: (أو للتكوين) وهو الإيجاد، كقول الله تعالى: {كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة:٦٥] ، فكونوا هنا ليس الأمر فيها للوجوب، وإنما هو للتكوين.

والقرائن أكثر مما ذكر، بل هذه أمثلة للقرائن، ومثلها في النهي، فقد يرد النهي على غير ما هو له: قد يرد للكراهة، وقد يرد للتهديد ونحو ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>