للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[دلالة العقل على موت الخضر]

أما المعقول فمن أوجه: الوجه الأول: أن الذين ادعوا أن الخضر حي زعموا أنه من ولد آدم لصلبه، أي: أنه من صلب آدم، وهذا باطل؛ لأن الذين يدعون أنهم رأوا الخضر يصفونه بأنه إنسان عادي، جسمه جسم رجل مقبول، وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (خلق الله عز وجل آدم طوله ستون ذراعاً، فلا يزال الخلق يتناقص إلى يوم القيامة) فمن كان من ذرية آدم من صلبه سيأخذ خصائصه من كون طوله ستين ذراعاً، كما كان طول آدم عليه السلام، والذين يزعمون أنهم قابلوا الخضر يقولون: إن بدنه بدن رجل عادي.

ثانياً: لو كان من صلب آدم لكان له عدة ألوف من السنين، فكيف يخلو القرآن الكريم من ذكر مثل هذا الأمر الخارق الذي هو من أدل الأشياء على ربوبية الله تبارك وتعالى؟ وقد ذكر الله تبارك وتعالى نوحاً عليه السلام الذي دعا قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً وجعل هذا من آيات ربوبيته، لأن هذا العمر يذكر ولا يذكر ستة آلاف أو سبعة آلاف أو ثمانية آلاف سنة!! ولئن قلنا: إن القرآن الكريم لا يذكر كل شيء أفتخلو السنة المطهرة من حديث واحد صحيح أو حسن ينبه على أبهر آيات الربوبية؟ ثالثاً: لو كان من ولد آدم لصلبه لكان من الذين ركبوا مع نوح في السفينة، ولم يذكر هذا أحد قط.

رابعاً: لو ركب مع نوح في السفينة لمات، فلقد ثبت أن جميع من كان في السفينة مع نوح ماتوا بدلالة قول الله عز وجل: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ} [الصافات:٧٧] فإن كان الخضر من ذرية آدم فيستحيل أن يكون حياً؛ لأن الذي بقي هو ذرية نوح فقط، فهذا يدل دلالة قاطعة على أنه لم يكن من صلب آدم.

ثم الخضر عليه السلام لو كان حياً ألا يجب عليه أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيسلم بين يديه ويجاهد معه ويصلي معه الجماعة والجمعة خلفه، وقد قال الله تبارك وتعالى للنبي صلى الله عليه وسلم: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف:١٥٨] أليس الخضر من الناس؟ فإن كان حياً إبان بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأته ولم يجاهد معه ولم يسلم بين يديه كان ذلك من أعظم الطعن عليه، وقد جعل النبي عليه الصلاة والسلام الهجرة واجبة إلى المدينة على من يستطيع، وقد قال الله تبارك وتعالى للمسلمين: {فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا} [النساء:٨٩] لأن الهجرة كانت واجبة على الأعيان؛ لأن المدينة دار الإسلام الوحيدة آنذاك وكان يجب الهجرة إليها، فلما فتحت مكة ولم تعد المدينة هي الدار الوحيدة قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية) أي: أن الهجرة الواجبة على الأعيان أغلقت وتوقفت بعد الفتح.

فإن كانت الهجرة واجبة على المسلمين الذين يقيمون في مكة، ونهى الله تبارك وتعالى المسلمين أن يتخذوهم أولياء حتى يهاجروا فأين كان الخضر؟ ولم لم يذهب إلى النبي عليه الصلاة والسلام؟ خامساً: أيقول الخضر عليه السلام لموسى كليم الله وأحد أولي العزم: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} [الكهف:٧٨] ، ثم يدور مع الجهال والمغفلين الذين لا يصلون ولا يزكون، وإن فعلوا فهم يتمسكون بالإسلام بحبل واهٍ ضعيف.

هل هذا إلا من أعظم الطعن في الخضر أن يلتقي بهؤلاء الجهلة ويدور معهم في الفلوات يسبح ويفارق كليم الله ويقول: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} هذا مستحيل.

<<  <  ج: ص:  >  >>