للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[نماذج من اعتراض التلاميذ على مشايخهم مع مراعاة الأدب]

دخل الإمام البخاري رحمه الله تعالى ورضي عنه على شيخ له يسمى الداخلي، قال الداخلي: (حدثنا فلان عن فلان عن فلان) وساق حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال له البخاري: (بل هو فلان عن فلان) قال الداخلي: (أتعترض عليَّ) ؟ قال: (ارجع إلى أصلك) أي: انظر في كتابك، ففتح الداخلي كتابه فوجد الأمر كما قال البخاري، فأثنى على البخاري.

فليس هناك سوء أدب في عبارة البخاري مع الداخلي، وإنما صحح له خطأً.

ومن الشيوخ الأجلاء الذين لا يعرفهم الناس إنما يعرفهم أهل العلم، نعيم بن حماد من مشايخ البخاري أيضاً، كان يحدث يوماً بحديث، فقال له يحيى بن معين وهو إمام آخر من أئمة هذه الأمة الكبار جداً جداً، قال له: (بل هو كذا عن كذا وأنت أخطأت) فأرغى نعيم وأزبد وقال: (تقول لي: أخطأت؟) فقال له يحيى: (أما والله في كتابك كما أقول) فدخل نعيم بن حماد إلى كتابه ففتحه فوجد أن الصواب مع المعترض، فما تكبر عن الحق، ولا قال: أنا شيخ ولا يجوز أن يرد عليَّ تلميذ وهذا إسقاط لهيبتي.

إلخ ويقول الإمام الشافعي يقول: (ما دفع رجل حقاً إلا سقط من نظري، وما أذعن له إلا هبته واعتقدت مودته) ويقول الإمام الشافعي أيضاً رحمه الله: (ما ناظرت أحداً فأحببت أن يخطئ، بل رجوت أن يظهر الله الحق على لسانه) .

المقصود أن يظهر الحق سواء على لساني أو على لسان أخي، لا يتناظر العلماء كأنهم أضداد، كل منهم يرجو أن يظهر على صاحبه، فهذا من حظ النفس، بل هو أخوك.

ففي معرض القصاص والقتل رجل قتل رجلاً، ولا يوجد مثل القتل شيء يمكن أن يبغض الرجل الرجل لأجله، ومع ذلك فالله عز وجل يقول: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة:١٧٨] ، فقد قاتله ومع ذلك يقول: {مِنْ أَخِيهِ} [البقرة:١٧٨] فيذكرك أنه أخوك، {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ} [البقرة:١٧٨] وهذا في معرض القتل، فما بالك إذا كان مجرد جدل علمي.

ماذا قال نعيم بن حماد؟ قال: (من الذين يقولون: إن يحيى بن معين ليس بأمير المؤمنين في الحديث، والله إنك أمير المؤمنين في الحديث) .

لأجل هذا كانت في دروسهم بركة العلم، وكثير من الناس يعظ ويعلم ولا تجد ثمرة، وجزء من هذه التبعة يقع على العالم؛ لأنه لم يخلص النية في علمه (١٠٠%) ، فهو يقول الشيء ولا يفعله، لذلك لا تجد بركة في علمه.

إن احترامنا للشيوخ لا يمنع أن نوصل الاعتراض عليهم ولكن بأدب، قال الإمام الشافعي: تعمدني بنصحك في انفراد ولا تلق النصيحة في الجماعة فإن النصح بين الناس نوع من التوبيخ لا أرضى استماعه فإن خالفتني وعصيت أمري فلا تجزع إذا لم تعط طاعة أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم.

ونسأل الله عز وجل أن يهدينا للتي هي أحسن وللتي هي أقوم.

اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين.

اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر.

اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.

اللهم اغفر لنا هزلنا وجدنا، وخطأنا وعمدنا وكل ذلك عندنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>