للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

متى يكون الرجل أباً لابنه؟

سمعت بعض المشايخ تأويلاً لطيفاً جداً أحببت أن أنقله لفضله، قال: (يولد المولود على الفطرة، فأبواه إما يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه) فهذا الشيخ سأل سؤالاً لطيفاً جداً قال: هل أنت اليوم أبو ابنك؟ فأجاب: طبعاً لا، أبوه التلفاز، وأبوه الشارع، وأبوه الأفلام، وأبوه السينما، هؤلاء كلهم يشتركون في تربيته، إذاً: لست أنت وحدك أبا ابنك، فمتى تصير والداً لابنك؟ إذا جنبته كل هذا تصير أبوتك لابنك كاملة.

فيجب إذا أردت أن أصلح بيتي أن أخرج منه كل عوامل الفساد بحزم، وعامل الأهل والأولاد بلطف، لكن لا أبقي التلفاز في البيت يدمر دين الرجل ودين المرأة، لكن مع مراعاة أن يفصله بالهوينا أيضاً.

وإذا تربى الرجل على الإسلام الحقيقي فرأى امرأة كاشفة لشعرها في الشارع يقشعر ويشمئز؛ لأنه منكر، والفطرة ركبت على هذا، ومن تيسير الله على الناس أنه ركب الفطرة على تعاليمه، فإن أمر بشيء فالفطرة تقبله: {هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام:١٠٣] صنع الشيء ثم جعل تشريعاً للشيء دون أن يوجد تضاد، والإنسان إذا تربى على أن هذا منكر، فالمنكر يبقى منكراً، تشمئز منه نفسه.

ومما يقتل الغيرة التلفاز، أرى مسلسلاً وأرى مواقف الخمر والفجور وأرى الشاب والشابة وهي تقابله، وبعد ذلك يخرجون يتنزهون، كل هذا أنا أراه، وابنتي تراه أيضاً بجانبي، وفي النهاية يهربون، ثم يزني بها، ثم تطلب منه أن يصلح خطأه، فيرفض ويتركها تواجه حظها، والمجتمع كله يتعاطف مع من؟ مع التي زنت، بل لو حصل أن الأب سيذهب يأتي بالولد الهارب الذي زنى بابنته من أجل أن ينتقم منه تجد أن الموجودين متعاطفين مع الولد الذي زنى ويدعون: يا رب لا يجده، يا رب لا يمسكه، وهكذا، في أول الأمر يمكن أن ينكر الرجل، إذا رأى رجلاً يقبل امرأة، ثم بعد ذلك في المرة الثانية لو وقف المسلسل على موقف خطير ينتظره يمكن أن يؤجل مواعيده بسبب مسلسل.

كل هذا كيف جاء؟ كيف استمرأت المنكر؟ كل هذا لم يجئ مرة واحدة، إنما جاء تباعاً بعدما قتل هذا الجهاز في نفسك الغيرة والحياء والدين وأنت لا تدري، قال الله عز وجل للناس: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} [النور:٢١] ليس لا تتبعوا الشيطان، بل خطوات الشيطان، فهو لا يأخذك ويرميك في الكفر مرة واحدة، إنما يأخذك درجة درجة.

ويحضرني قصة حدثت فيما مضى، وهي أن رجلاً راهباً كان لا يخرج من صومعته، فتزين له الشيطان ذات مرة بصورة رجل وأحضر معه امرأة، ثم قال للراهب: أنا على سفر وأختي هذه لن أجد في الأرض آمن عليها منك، فسأجعلها في الصومعة المجاورة وأنا سأترك لها المال.

فقال: لا.

أنا ليس لي علاقة بها، إنما ضعها هناك.

فأتاه الشيطان يوماً فقال له: أليس من الدين أن تسأل عن جارك؟ لا يأتيه الشيطان يقول له: اعصِ، بل يأتيه من مسالك الدين، فيقول: اسأل عن جارك، وهذا ليس من الرحمة في شيء، بل كذا، ويوسوس له حتى يقول: نعم هذا صحيح.

فذهب وطرق على الباب وظهره للباب، فقال لها: هل تحتاجين شيئاً؟ قالت له: لا.

وهو لم يرها حتى الآن، فقال له: أنت تسأل عليها مرة في اليوم فقط، اسألها مرتين في اليوم وهذا كله خير وثواب، حتى يستشعروا أن الذين يعبدون الله أناس طيبون وليسوا بمتعنتين، فأصبح يسأل عن المرأة أكثر من مرتين.

ثم قال له: الخير كثير، لماذا لا تضع أمامها طعاماً، فذهب ووضع اللحم أمام الباب وطرق ولم يدخل، ثم قال: يا أخي! لماذا لا ترى وجهك؟ الدنيا بخير ولم يحصل شيء، فقل لها: تفضلي لكي تستشعر أن هناك أنساً ووداً.

ثم قال: يا أخي هي جالسة لوحدها لم لا تسليها؟ أليس فيك رحمة؟ وفي النهاية وقع بها وزنى بها.

فعندما يظل الإنسان وراء هذه الخطوات لا يستشعر إطلاقاً أن هناك شراً قادماً، بل يرى أن هذا كله من باب الدين والرحمة ولا توجد مشاكل.

وهذا هو الذي عناه الله عز وجل بقوله: {لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} [النور:٢١] خطوة بعدها خطوة وأنت لا تدري، حتى يقع المرء في الشرك.

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>