للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[جميع الأقدار بيد الله]

قد يمشي الرجل في شارع فيقول: بل سأرجع إلى هنا، فيجد خيراً أو شراً، فيقول: لو أنني مضيت في سبيلي ما أصابني كذا، فالله هو الذي حول ناصيته من هذا الشارع إلى ذاك، ليتم قدره ولتنفذ مشيئته.

ذكر أحد الصحفيين أن رجلاً أراد أن يشاهد مباراة كرة القدم بين ألمانيا الغربية وهولندا في كأس العالم سنة أربعة وسبعين، فحجز في الطائرة ليذهب فقط يشاهد ويرجع.

ثم عرضت له ظروف، فتأخر عن موعد إقلاع الطائرة دقيقتين، فوجد الطائرة أقلعت، وبما له من نفوذ أمسك مدير المطار وشدد الكلام عليه، وأنه لابد من طائرة مخصوصة تخرج الآن حتى لا تفوته المباراة.

قال: وبعدما استعملت كل ما عندي من نفوذ وإمكانات لم أجد بداً من القعود، قال: فرجعت مهموماً كاسف البال، فشاهد المباراة في التلفاز، وقرأ الصحف في اليوم التالي فوجد أن الطائرة قد ارتطمت بجبل في سويسرا ومات كل من عليها {لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [القصص:٨٢] ، فالآن عرف ربه، وعرف أن الله متصرف في الكون، وعرف أن الله نجاه.

فكم من أمانٍ في نفس الإنسان، تذهب نفسه حسرات أنه لم يحصلها وأنها فاتته، ولو أن الله عز وجل أطلعه على لوح الغيب لعلم أن الله أرأف به من الأم بولدها.

فهذا الرجل صاحب المال الله هو الذي ضمنه، وإن الله ما استودع شيئاً إلا حفظه، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا ودع أخاً له يقول: (أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك) لا يقل: أستودع الله مالك، أستودع الله جاهك، إنما: (أستودع الله دينك) ، وكان وهو مسافر يقول: (اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في المال والأهل والولد) وإذا رجع قال: (آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون) .

فاستحفاظ الله عز وجل للمؤمن ولكرامته أمر مقطوع به، والشيء الذي ينقص الآن أن يحس المسلمون به إحساساً عملياً أن تشعر أن الله ضامن فعلاً، أن تعطي أخاك الدين والمال والعون ولا تشح به: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:٢٨٠] ، فإن الله عز وجل كما ورد في بعض الآثار جعل أجر القرض بثمانية عشر مثلاً، والقرض هو القرض الحسن الذي لا يعود بفوائد.

<<  <  ج: ص:  >  >>