للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[عقوبة الخضر لأهل القرية ببناء الجدار]

لعلنا نذكر دخول موسى والخضر عليهما السلام إلى القرية: {فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا} [الكهف:٧٧] دخلوا القرية يطلبون طعاماً {فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا} [الكهف:٧٧] ما هي العقوبة؟ أن يبني الخضر الجدار، وهذه عقوبة؛ لأن الجدار عندما مال وقد وصفه الله عز وجل بصفة الآدمي: {جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ} [الكهف:٧٧] أي: يقع، وكان تحت الجدار كنز، فلو أن الجدار وقع لظفر أهل القرية بالكنز فأخذوه، فلما أقام الخضر الجدار حرم أهل القرية من الكنز، وحفظ الله عز وجل هذا الكنز لليتيمين.

فهذه عقوبة لهما، ولكن موسى اعترض، فقال: {لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} [الكهف:٧٧] أي: نأكل به، لكن أن يمنعونا من الضيافة والقرى وهو حق لنا ونحسن إليهم بأن نبني جداراً مجاناً!! فلما أقام الخضر الجدار حمى ذلك الكنز؛ لأنه ليتيمين، واليتيم عند البشر هو فاقد الأب، وعند الحيوانات فاقد الأم، ولكن لا يظل المرء يتيماً مدة حياته، ولا يصلح أن يطلق على إنسان ما أنه يتيم مدة حياته؛ لقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه أبو داود وغيره بسند صحيح: (لا يتم بعد احتلام) فإذا بلغ الرجل انتفى عنه مسمى اليتم؛ لأن اليتم هو عبارة عن صفة تلزم عاجزاً، والطفل الصغير حتى يبلغ الحلم عاجز عن الكسب والتفكير، فإذا بلغ أشده واستوى لم يعد بحاجة إلى أبيه، حتى ولو كان أبوه حياً، فهو بحاجة إلى أبيه ما لم يبلغ.

ولذلك في الآية: {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا} [الكهف:٨٢] فدل ذلك على أنهما كانا يتيمين صغيرين ما بلغا الحلم، فهذان اليتيمان حفظ الله عز وجل الكنز بصلاح أبيهما، وفي هذا دليل على أن الصلاح ينفع الذرية.

أي شيء تفعله يكون لك به لسان صدق، افعل المعروف الآن يبقى لذريتك، قال الله عز وجل: {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:١٤٠] أنت اليوم في رفعة ومنعة وغداً في ذل واستضعاف وغيرك في عز ومنعة، هذه سمة لهذه الحياة حتى لا يأمن أحد بها.

<<  <  ج: ص:  >  >>