للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[عذاب القبر ونعيمه خرافات عند بعض المعاصرين]

الحمد لله رب العالمين، وله الحمد الحسن، والثناء الجميل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يقول الحق وهو يهدي السبيل، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

وبعد: وصل بالمبتدعة وباعتبارهم بعقولهم: أنهم أنكروا كل غيب، وبعضهم أنكر جزءاً من الغيب، وسلَّم بالآخر، وما سلّم به حجة على ما أنكره.

ولله در شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عندما قال: ما من دليل يحتج به مبتدعٌ على بدعته إلا كان في نفس الدليل نقضٌ لبدعته.

ولهذا الهيئة العامة للكتاب -وهي هيئة حكومية لها دعم مالي من قبل الدولة- نشرت في الشهر الماضي كتاباً يقول فيه صاحبه: إننا لا نزال في التخلف ما دمنا نؤمن بخرافات عذاب القبر، والشجاع الأقرع وهناك رجل وهو شخصية دينية مرموقة في بعض المحافظات ينكر عذاب القبر، فسأله سائل عن عذاب القبر؟ فقال متهكماً: أنا لم أره حتى أصفه لك!! سوف تراه عذاب القبر تنكرونه؛ لماذا؟ لأنه غير خاضع للعقل، ما دام الأقرع يضرب الواحد ضربة وينزل سبعين ذراعاً في الأرض، فإنهم لا يصدقونه! ما وجه الإنكار؟ أنه غير مستساغ.

فهل تستسيغ الإيمان بالجنة؟ نعم، الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (إن في الجنة شجرة يسير الراكب بالجواد المضمر) والجواد المضمر هو الذي ليس له بطن؛ لأن الجواد الذي له بطن لا يستطيع الجري، أما الجواد المضمر فيمشي في الطين، فهذا رجل ركب الفرس وأطلق لجواده العنان (مائة عام لا يقطعها) فكلمة (لا يقطعها) تحتمل أنه قد يمشي مائة عام أخرى ولا يقطعها أيضاً؛ لأننا لا ندري ما الذي قطعه من الذي تركه.

هل تؤمن بهذا؟ نعم.

هل هذا أعظم أم الثعبان الأقرع الشجاع؟ أيهما أعظم؟ فما أقر به حجة عليه فيما أنكره؛ لأن الكل خاضع للسلطان العقلي، ترى لماذا فرق بين المتماثلين؟ إنهم خبثاء ينكرون كل شيء يتعلق بالنار؛ لكن أي شيء يتعلق بالجنة وبالأكل والشرب يؤمنون به، فقد أنكروا عذاب النار وأنكروا تبدل الجلود، وقالوا: هذا عذاب معنوي، وإن الإنسان إذا وقع في ضائقة نفسية تكون أشد عليه من عذاب النار وكفى؛ لأن كل عذاب دون النار عافية: {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} [الفرقان:٦٥] .

يسيئون الأدب وكلما قال قائل: اتقوا عذاب النار، يقول معترض: اترك عنك هذا، كل شيء عذاب وعذاب يا أخي رغبوا الخلق في الله تعالى إذا رأيت رجلاً فاجراً في ضلاله وغيه رجلاً يأكل الربا رجلاً زانياً رجلاً فاجراً، فهل تقول له: (الجنة لبنة من فضة ولبنة من ذهب) أم تردعه عن طغيانه بعذاب النار؟ لماذا خلق الله النار إذاً؟! ولماذا خلق لها خلقاً كثيراً صماً بكماً عمياً؟! والله تبارك وتعالى عندما يذكر الجنة، يذكر النار في مقابلها لولا اشتعال النار فيما جاورت ما كان يعرف طيب عرف العود وبضدها تتميز الأشياء وقال الله تبارك وتعالى: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ} [الحجر:٤٩-٥٠] فيقرن هذا بذاك ليتقي الناس نار جهنم، فعندما يطالبون الخطباء أن يتكلموا عن سماحة الإسلام، وأن الإسلام دين السماحة واليسر ودين الجنة الخالدة، فهل يتصورون أن الناس بذلك سوف يذهبون إلى الجنة؟ إن الناس لا يذهبون إلى الجنة إلا بالسياط وراءهم، وكل آية في القرآن الكريم تدل على ذلك، ولا يصل رجل إلى ربه سالماً إلا إذا عبده بين الخوف والرجاء.

إنهم مرجئة غلاة في إرجائهم، وعلموا الناس الإرجاء، فصار أكثر الناس في هذا الزمان مرجئة، والمرجئة هي أحد الفرق المبتدعة التي خرجت عن أهل السنة والجماعة، ولقد صار أكثر الناس في هذا الزمان مرجئة.

والإرجاء: هو تأخير العمل، فالمرجئة يؤخرون العمل ولا يدخلونه في الإيمان، والإيمان عندهم قولٌ بلا عمل ترى الرجل لا يصلي، فتسأله: لماذا لا تصلي؟ فيقول: إن الله غفورٌ رحيم! يظن أنه بمجرد أن يقول: (لا إله إلا الله) يدخل الجنة ويأخذون النصوص المفردة التي تحتاج إلى ضميمة أخرى، فيحتجون بها على الناس، وهذا هو شأن المبتدعة، يقولون: ألم يقل النبي عليه الصلاة والسلام: (من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة) ؟! فلماذا لا تأخذ الحديث الآخر، فإن نصوص الشريعة لا تتم إلا إذا جمعتها إلى بعضها؟! ففي الحديث الآخر: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وهذا) وهكذا يتفق مع الحديث الأول ثم قال:: (ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك فقد عصموا مني دماءهم وأمواله) فإن لم يفعلوا لم تعصم لا دماؤهم ولا أموالهم فتارك الصلاة دمه هدر! مانع الزكاة دمه هدر! يجب على السلطان أن يقتله.

مهمة الحاكم أن يقيم العدل والدين، فإذا أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم، فإذا صلوا ولم يزكوا فإنهم ليسوا بإخوانكم.

وبالجمع بين الحديثين تخرج بما أراده الله ورسوله، أما أن تخرج بحكم منفصل، وتقرر حكماً جديداً منفرداً فليس هذا من شأن علماء الإسلام.

الرسول صلى الله عليه وسلم لما زار عبادة بن الصامت وهو مريض، وكان عبادة طريح الفراش نائماً، فقال: (ما تعدون الشهيد فيكم؟ وسكت) .

فأشار عبادة لجليسه أن يقيمه، فأجلسه بصعوبة، يريد أن يجيب على كلام الرسول عليه الصلاة والسلام، استحيا أن يجيبه وهو مضطجع قال: (يا رسول الله! الشهيد من قتل في سبيل الله، فقال عليه الصلاة والسلام: إن شهداء أمتي إذاً لقليل) لو أن الشهادة محصورة بالقتل في سبيل الله صار شهداء أمتي قليلين (المبطون شهيد وصاحب الهدم شهيد، والغريق شهيد، والمرأة تموت بجمع شهيدة، وصاحب الجمع شهيد، وصاحب الجنب شهيد) ، المبطون أي: الذي يموت بسبب انتفاخ البطن والسرة.

الذي هو ناتج عن الكبد الوبائي، تلف الكبد وانتفاخ البطن.

والمرأة تموت بجمع شهيدة: إذا ماتت المرأة وهي تلد، فهي شهيدة.

وصاحب الهدم هو الذي يسقط عليه جدار أو غيره فهو شهيد، فرجل زانٍ أو تارك للصلاة أو الصيام وقع عليه جدار، هل هو شهيد؟ ذهب إلى حيث شاء ثم يكون شهيداً! رجل عاق ومحارب لله ولرسوله، وذهب ليسبح وغرق، إذا أخذنا هذا الحديث وحده فهو شهيد، فلا عليكم اتركوا جميع أركان الإسلام، وموتوا تحت جدار، أو موتوا غرقاً في نهر، والشهداء في أعلى عليين، إذا وصلت إلى الفردوس الأعلى وأنت تارك لكل ما أمرك الله به، هل يقول هذا أحد في الدنيا؟! لا يقول هذا أحد.

إذاً: لا بد من جمع نصوص الوحي بعضها إلى بعض وضم الزوائد إلى النواقص، وإخراج الحكم الشرعي هذا هو الذي فعله علماء الإسلام، لكن المبتدعة استغلوا جهل الخلق بنصوص الوحي وعدم إحاطتهم بها، مع غياب العلماء الربانيين، فعاثوا في الأرض فساداً، ولهم أسلحة كثيرة جداً، وتمجيد العقل -الوتر الذي يجب كسره- كان من أعظم الأسباب التي أدت الآن إلى تمجيد أصحابها باسم التنوير، يقولون: نحن نواجه الإرهاب بالتنوير، يقولون: هل هناك مصلحة في فتح عذاب القبر؟ نعم لأنك لا تستطيع أن تخوف الناس إلا بذلك.

لأن في نفس كل رجل واعظ الله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (داعي الله في نفس كل مؤمن) هذا هو الضمير، وهي النفس اللوامة.

النفس اللوامة لا يمكن أن تعمل عملها إلا إذا خافت من الله، فإذا قلت له: لا يوجد عذاب قبر، والنار ليست ناراً، إنما هو عذاب نفسي، فسوف يعيث المجرمون في الأرض فساداً؛ لأنه لا رادع لهم.

ولولا القيامة ونصوص العذاب لأكل بعضهم بعضاً، ما الذي يجعلني أتسامح وأصبر على ظلم الجميع؟ لماذا لا أرد الصاع صاعين وعشرة؟ أتركك لله.

إذاً فهذه العقيدة قللت الشر في الأرض، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (من دعا على ظالمه فقد انتصر) يرغبك في ترك الدعاء عليه، مجرد الدعاء ندبنا إلى تركه، فما بالك باللطم والضرب، وإذا أردت أن تعذب ظالماً، وتحمله فوق أكتافه إثماً، فلا تدع عليه.

اتركه حتى يأتي بمظلمته كاملة، واعلم أن غيرك سيكفيك مؤنة الدعاء؛ لأنه لا يصبر كل الناس، بل أغلب الناس يتسرع في الدعاء على الظالم، فغيرك يكفيك المؤنة بالدعاء عليه، ولتحتفظ بمظلمتك كاملة حتى يأتي الله بها.

فإذا قلصنا مثل هذه العقائد زاد الفساد في الأرض، فكيف يحاربون الإسلام باسم التنوير؟! أي تنوير في هذا؟! هذا ظلم وظلام.

انظر إلى المهزلة يعتدون على العلماء في اختصاصهم.

ويتركون الذين لا يصلون جماعة، ويقطعون الصلاة التي هي الحد الفاصل بين الإسلام والكفر فلا ينهونهم، يتركونهم يتكلمون في دين الله عز وجل كيفما شاءوا، حتى الراقصات يتكلمن في دين الله.

وورد حديث صحفي مع راقصة تقول: الجماعة (الإرهابيين) يريدون أن يقتلوا كل فن.

ما هو الفن العفن هذا؟ ثم تكلمت وقالت: أنا الحمد لله ذهبت إلى باريس ورقصت رقصاً، وربي لم يخذلني، ورفعت رأس مصر عالية! والمرأة تتكلم في دين الله بغير علم وتُنَظِّر للشرك والكفر.

ولو أن شخصاً يتكلم في الطب والهندسة لرجموه بالحجارة، كل يحترم تخصصه إلا العلماء يُعتدى على تخصصهم.

والأمور المستقرة لا ينبغي جعل الأقزام يتطاولون عليها، لابد من حمايتها غيرة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وعذاب القبر ومنكر ونكير أحد أمورنا المستقرة، نؤمن به ولا نجحده، ونسأل الله تبارك وتعالى أن ينجينا من عذاب النار، وكان دعاء النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً في صلاته: (اللهم قنا عذاب النار) ، كان يقول: (اللهم إني أعوذ بك من فتنة القبر، ومن عذاب القبر) .

وعذاب القبر ثابت في كتاب الله تعالى، ومتواتر في سنة النبي صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى في كتابه العزيز: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:٤٦]

<<  <  ج: ص:  >  >>