للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحكم بعد زواج المرأة بدون ولي والبناء عليها]

السؤال

إذا تم الزواج بدون ولي، وقد دخل بها الزوج وانتهى الأمر، فهل يستمر الزواج أم لا؟

الجواب

في الحقيقة أن هذه قرائن تحملنا على شيء معين، صحيح أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (لا نكاح إلا بولي) ، وصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل) ، فقد ورد في النهي عدة أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن قد تم الزواج، وبنى بها الزوج، وأنجبت منه، ثم بعد ذلك هدى الله الزوج والزوجة للبحث في الدين فوجد أنه لم يتزوج بولي، وفي الحقيقة أن مثل هذه المسألة يرجى أن تدخل تحت نكاح الشبهة، ويستمر العقد صحيحاً ما دام أنه قال به بعض أهل العلم، لكن كإبعاد لأي شبهة وأي شك؛ يقول الولي لهذا الزوج: زوجتك ابنتي، ويقول الزوج: قبلت، وينتهي الإشكال.

ذات مرة اتصل أحد الإخوة يسأل سؤالاً ويقول: كان في أمريكا هو وزوجته، وبعدها طلق هذه الزوجة، ورجعت إلى مصر، وبعد أن رجعت إلى مصر أقنعه أصحابه أن يرجع لزوجته، فوكل أخاه بإتمام موضوعات الزواج، فتمت الموضوعات، وأرسلت الزوجة بعقد رسمي موثق من المأذون الشرعي إلى أمريكا مرة ثانية، فعاشرها ثلاث سنوات جديدة، ثم علم بعد ذلك أنها هي التي زوجت نفسها، فاتصل بأحد الإخوة المشايخ -الله يغفر له- وحكى له الموضوع.

فأجاب هذا الشيخ وقال له: ترجعها حالاً، فالعقد باطل! فرجع الرجل مع زوجته من أمريكا يسأل: ماذا يصنع؟ سبحان الله (من يرد الله به خيراً يفقه في الدين) ، فكان المفروض أن يقول هذا الشيخ لهذا الرجل: اتصل بوليها من عندك وأخبره الخبر، ثم يقول: اطلب منه أن يقول: زوجتك ابنتي أو أختي على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا حاجة إلى المجيء من أمريكا، لكن كلفه هذا الشيخ عفر الله له سفراً من أمريكا هو وزوجته إلى مصر، صحيح أنه قد تم النكاح، ونحن نرى أن هذا رأياً مرجوحاً، لكن من العلماء من يجيزه، كـ أبي حنيفة أما نحن فلا نجيزه ابتداءً، لكن في مثل هذه الأحوال يؤخذ بالقول الذي يعمل به في البلاد كالمحاكم وإن كان مرجوحاً؛ لأنه لا بد من قواعد تضبط الناس.

فالشاهد: أن المسألة فيها تفصيل واسع، والأحناف يستدلون بحديث الرسول عليه الصلاة والسلام: (الثيب أحق بنفسها) ، وإن كان الجمهور من أهل العلم فسروا قوله عليه الصلاة والسلام: (الثيب أحق بنفسها) بقولهم: لها الحق أن تنتقي الزوج الذي تريد، لكن ليس لها حق في العقد، أما الأحناف فقد استدلوا بعمومه على جواز الزواج بلا ولي للثيب خاصة، وهذا رأي مرجوح لكن قد تم الزواج عند المأذون الشرعي، والرسول عليه الصلاة والسلام قال: (فإن اشتجروا، فالسلطان ولي من لا ولي له) فعقد المأذون يقوم مقام الولي في غياب الولي، وليس في حضور الولي، فكان الأيسر أن يفتى في مثل هذه المسألة بقوله: اجعل وليها يزوجك في الهاتف؛ فالتزويج غيابياً جائز، والطلاق غيابياً جائز، فإن كانت المرأة في دولة كأمريكا -مثلاً- وأولياؤها في مصر، ولم تستطع أن تتصل بهم، ولم يستطع أهلها أن يأتوا إليها، ولكن لا تعلم رفضاً منهم، فيجوز في مثل هذه الأثناء أن توكل شخصاً بتزويج نفسها.

وقد عرضت هذه المسألة مرة في امرأة عضلها أولياؤها بلا سبب شرعي، ولا يريدون منها أن تتزوج، وقالوا لها: أنتِ تزوجتِ وأخذتِ نصيبكِ، فلا تتزوجي مرة ثانية! وهناك أولياء جهلة يمنع البنت من الزواج مع أنها ستقع في فتنة، فبحثنا بحثاً شديداً عن مخرج لهذه المسألة، إلى أن وفق الله إلى قول طيب للإمام مالك رحمه الله! فقد قال مالك: إنها تنصب لنفسها ولياً آخر ويكون رجلاً صالحاً؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام لما أرسل جعفر وابن رواحة وزيد بن حارثة قال: على القوم زيد بن حارثة، فإن أصيب زيد فـ جعفر، فإن أصيب جعفر فـ عبد الله بن رواحة، فشاء الله أن يقتل الثلاثة، قتل زيد ثم قتل جعفر ثم قتل ابن رواحة، فوقف المسلمون بلا أمير، وليس هناك أمير أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاصطلح المسلمون على خالد، فأخذ منها مالك أن المسلمين يصطلحون على تنصيب ولي لهذه المرأة أو تنصب ولياً شرعياً إذا كان الرفض ليس له مبرر شرعي، مثلاً: قالوا لها: لا نريدك أن تتزوجي، ففي مثل هذه الحالة نقول: إن الله لا يحب الفساد، والله أباح لها أن تتزوج، لكن إذا قالوا لها: لا نريد منك أن تتزوجي بفلان بعينه، ففي هذه الحالة نقول: معكم حق إذا كانت الكفاءة غير موجودة في هذا الشخص بعينه، والله أعلم.

وكذلك البكر؛ إذا كان أبوها لا يريد منها أن تتزوج أبداً دون أي سبب شرعي! قلنا لها: وكلي أي شخص، فتنتقل الولاية إلى الأخ، فإذا كان الأخ غير موجود فتنتقل إلى العم، فتنتقل الولاية للعصبات واحداً تلو الآخر، فإن فقد الأولياء تماماً، أو أن كلهم لا يريدون لها أن تتزوج أبداً، وهي تريد أن تعف نفسها بالزواج وقالت: اختاروا لي أي شخص أتزوجه، فأبوا جميعهم، فعند ذلك: (السلطان ولي من لا ولي له) .