للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (هو الأول والآخر والظاهر والباطن.]

قال تعالى: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد:٣] .

أحسن ما فسرت به هذه الآية قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء) .

وقد كثرت أقوال المفسرين في تأويل قوله تعالى: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} .

إلا أن تفسير ذلك من حديث النبي صلى الله عليه وسلم السابق، هو الأولى، فقوله: (اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء) ، ويفسر المراد بـ (الأول) ، وقوله: (وأنت الآخر فليس بعدك شيء) يفسر المراد بـ (الآخر) ، وقوله: (وأنت الظاهر فليس فوقك شيء) يفسر المراد بـ (الظاهر) ، وقوله: (وأنت الباطن فليس دونك شيء) يفسر المراد بـ (الباطن) .

ومما فسرت به قول بعض العلماء: (الباطن) : العالم ببواطن الأمور وما خفي وما غاب منها.

و (الظاهر) : القاهر الذي يَغلب ولا يُغلب، ويعلو سبحانه وتعالى ولا يعلى عليه، وعلى بعض هذه الألفاظ بعض المآخذ.

قوله تعالى: {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} .

الآيات التي تثبت علم الله سبحانه وتعالى تتكرر مراراً في سور الكتاب العزيز، وكل معنىً تكرر في الكتاب العزيز يدل تكراره على أهمية عظمى له، فإذا فهم العبد ذلك وأيقن به، ولازمه هذا الشعور وهذا العلم بأن الله تعالى عليم استقامت أموره، وحسنت سرائره، ومن ثم صلحت له دنياه وصلحت له أخراه، فكم من آية ختمت بقوله تعالى: (والله عليم حكيم) ، وبقوله تعالى: (والله عليم خبير) ، وبقوله تعالى: (إنه عليم بذات الصدور) ، وكم من آية سيقت لإثبات هذا المعنى، كقوله تعالى: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [الشعراء:٢١٨-٢١٩] ، وقوله تعالى: {أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [هود:٥] ، وقوله تعالى: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [يونس:٦١] ، وقد تكاثرت الآيات المثبتة لهذا المعنى غاية الكثرة، وكلها لتأسيس شيء في الأذهان وتثبيته وترسيخه، ألا وهو مراقبة الله سبحانه وتعالى، والعلم بأنه يراك ويطلع على أحوالك، ويعلم سرك ونجواك، قال تعالى: {وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق:١٢] .