للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نكاح الشغار تعريفه وتحريمه]

قال تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء:٢٤] ، استثني منه: الجمع بين المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها، واستثني منه نكاح التحليل.

أما نكاح الشغار فقد اختلف في تفسيره.

أولاً: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الشغار ولا شك في هذا، ولكن ما هو الشغار؟ القدر الذي اتفق عليه أكثر العلماء في الشغار هو: أن يقول الرجل للرجل: زوجني أختك أو ابنتك أو موليتك، على أن أزوجك أختي أو موليتي أو ابنتي ليس بينهما صداق.

من العلماء من رأى هذا التفسير، سواءً كان بينهما صداق أو ليس بينهما صداق، المهم أنك لا تجعل زواج الشخص بامرأة شرطاً لزواج الآخر بأخته أو بابنته، فسواء كان بينهما صداق أو ليس بينهما صداق فإنه يعد شغاراً عند كثير من العلماء.

وتفسير الشغار كما في الحديث: (أن يقول الرجل للرجل: زوجني أختك أو ابنتك على أن أزوجك ابنتي أو أختي ليس بينهما صداق) .

قوله: (الشغار أن يقول الرجل للآخر) هل هو مدرجٌ على حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، أم هو من كلام رسول الله؟ هل الرسول نهى عن الشغار، وقال: الشغار كذا وكذا، أم أن أحد الرواة عن رسول الله هو الذي قاله؟ الحديث مروي من طريق مالك، عن نافع، عن ابن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الإمام الشافعي يقول: لا أدري تفسير الشغار من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أم من قول ابن عمر أم من قول نافع، أم من قول مالك؟ ومن أهل العلم من قال: إن تفسير الشغار من قول مالك، ومنهم من قال: إنه من قول نافع، ومنهم من قول: إنه من قول ابن عمر، ومنهم من قال: إنه من قول رسول الله.

لكن جمهور العلماء قالوا: إن تفسير الشغار من قول نافع.

وأحياناً الإدراج يشكل ويسبب خلافاً طويلاً في المسائل الفقهية، ولعلنا مثلّنا من قبل هذا لمسألة ذات أهمية في هذا الباب وهي: (أمرنا أن نسجد على سبعة أعظم) والسبعة الأعظم جاء تفسيرها: الجبهة -وأشار إلى أنفه- واليدين، والركبتين، وأصابع القدمين، فكلمة: (وأشار إلى أنفه) فهل هي من قول رسول الله، أم هي من قول الصحابي الذي يرويها عن رسول الله، أم من قول التابعي الذي يرويها عن الصحابي، أم غير ذلك؟ لأنه ينبني عليها حكم فقهي قوي: فمن سجد ولم يجعل أنفه تمس الأرض فقد أخطأ، وكثير من الناس يسجد وأنفه مرتفعة، فهل صلاته صحيحة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى أنفه، أم ليست صحيحة؛ لأنه لم يجعل الأنف تمس الأرض؟ فالحكم بالدرجة الأولى حكم فقهي؛ لكنه مبني على الحديث.

والمهمة هنا مهمة أهل الحديث لا أهل الفقه؛ لأن المدار على تصحيح زيادة: (وأشار إلى أنفه) ، إن كانت من قول الرسول فقد قطعت جهيزة قول كل خطيب كما يقول القائل، وإن كانت من قول طاووس فقد أصبحت محتملة للأخذ والرد، والمدققون من أهل الحديث من المتقدمين بينوا أن هذه من قول طاووس وليس من قول رسول الله عليه الصلاة والسلام، فإذا ثبت أنه من قول رسول الله فقد انقطع النزاع، فإذا قال الرجل للآخر: زوجني ابنتك وأزوجك ابنتي، لكن صداق ابنتك ألف وصداق ابنتي ألفين جاز ذلك والمعنى: أنه إذا كان بينهما صداق جاز الشغار على هذه الرواية.

وقد جاءت رواية في صحيح مسلم من طريق عبد الله بن نمير أيضاً: يرويها بإسناده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشغار، والشغار أن يقول الرجل للرجل: زوجني ابنتك وأزوجك ابنتي) ، واقتصر على هذا الحد، ولم يذكر كلمة: (ليس بينهما صداق) ، فلذلك دبّ الخلاف بين العلماء في من قال للآخر: زوجني ابنتك وأزوجك ابنتي وكان بينهما صداق، هل يصح الزواج أو لا يصح؟ فرأى فريق من أهل العلم: أنهما إذا جعلا بينهما صداقاً يصح؛ لأن تفسير نافع: (ليس بينهما صداق) ، وهؤلاء كان بينهما صداقاً.

والذين بنوا على رواية ابن الزبير قالوا: إن جعل زواج هذه شرطاً لزواج تلك فإن العقد لا يصح، واستدل له العلماء بحديث معاوية: أن ولداً من أولاد العباس تزوج بامرأة، قال له: أزوجك ابنتي على أن تزوجني ابنتك، وجعلا لكل منهما صداقاً، ففرق بينهما معاوية وقال: هذا هو الشغار الذي نهى عنه رسول الله.

إذاً: فرق بينهما رضي الله عنه مع أنهما قد جعلا لكل واحدة صداقاً.

لكن الجمهور قالوا: إن هذا استنباط من معاوية وهذا من فهمه، ونقل هذا الفهم عن رسول الله، لكن غيره نقل عن رسول الله أنهما ليس بينهما صداق.

والشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله له رسالة في هذا الموضوع، واختار فيها رأي أمير المؤمنين معاوية، سواء تزوجها على صداقٍ أو لا فالعقد باطل، لكن إن جاء عفواً وتزوجت أخت رجل، والرجل بعد ذلك تزوج أختك بدون مواطأة ولا اشتراط فالنكاح صحيح ولا إشكال فيه.

فقوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء:٢٤] ، استثني منه نكاح الشغار، ونكاح التحليل، والجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها.