للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ثبوت صفة السمع والبصر لله، وتعزيز مبدأ المراقبة له سبحانه]

قال تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة:١] ، الآية أثبتت كغيرها ما هو من بدهيات الإسلام: صفة السمع لله سبحانه وتعالى، {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة:١] ، {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة:١] ، فهذه الآية مع غيرها من الآيات تعزز مبدأ مراقبة الله عز وجل، وعليك أن تعبد الله على هذا النحو، تعبده عبادة المحسنين، إن لم تكن تراه فإنه يراك، قال تعالى: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الشعراء:٢١٨-٢٢٠] ، وقال سبحانه: {قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ} [النور:٦٤] ، وقال جل شأنه: {أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ} [هود:٥] أي: وهم متغطون بثيابهم.

{يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [هود:٥] .

وهذا المعنى قد لقنه لقمان لولده: {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} [لقمان:١٦] ، وأيضاً: {وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [يونس:٦١] ، والآيات في باب الحث على مراقبة الله سبحانه وتعالى لا تكاد تنتهي، قال تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر:١٩] ، {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [الملك:١٣] ، آيات لا تحصى ولا تنتهي، تفيد أنك مراقب بدقة وأي دقة، مراقب مراقبة دقيقة من كل صوب ومن كل اتجاه، وكل الحركات منك محسوبة عليك، بل ما بداخلك مطلع عليه ربك سبحانه وتعالى، قال جل جلاله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق:١٦] ، فأنت يا ابن آدم ضعيف كما قال ربك سبحانه، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم، وأنت عجول، ومع هذا كله فأنت مراقب مراقبة صارمة ودقيقة في غاية الدقة.

قال الله سبحانه: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا} [المجادلة:١] ، والمحاورة: هي إرجاع الكلام إلى الطرف الآخر، هو يتكلم وأنت تحاوره، أي: ترد الكلام عليه، كما قال الشاعر في وصف فرسه: لو كان يدري ما المحاورة اشتكى ولكان لو علم الكلام مكلمي قال الله سبحانه وتعالى: {وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة:١] ، (وقد تلا النبي صلى الله عليه وسلم آية ختامها يشابه هذا الختام: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء:٥٨] ولما تلاها النبي عليه الصلاة والسلام وضع إبهامه على أذنه وسبابته على عينه) ، فاستنبط بعض العلماء من هذا الحديث: إثبات السمع والبصر لله سبحانه وتعالى، {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة:١] .