للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بعض المسائل المعاصرة تحتاج إلى اجتهاد لتنظيمها]

ونستطرد إلى بعض المسائل النازلة التي تهمنا في عصرنا، هناك مسائل نزلت بالمسلمين ليست لها نصوص صريحة في كتاب الله، ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذه المسائل النازلة التي نزلت بالمسلمين تحتاج إلى أنواع من الأقيسة، على مسائل مشابهة كانت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وتحتاج أيضاً إلى اجتهادات لأهل العلم.

فمثلاً من المسائل التي من الممكن أن تدخل في بابنا هذا: قول مدير العمل مثلاً أو المسئول عن مصلحة من المصالح: لا تكلمني ولا تخاطبني إلا على عرض حال دمغة، فهل عرض حال الدمغة تصرف صحيح، فلا تكلم المسئول ولا تكتب طلباتك إلا على عرض حال دمغة؟ فقد يقول قائل من إخواننا: إنه ليس هناك دليل في الشرع على مسألة الخطاب بعرض حال الدمغة، فحينئذ يجوز لي أن أنزع الدمغة، أو أستغفله وأقدم الكلام بدون عرض حال دمغة أو شيء من هذا، إلا أن مصلحة الأعمال تقتضي أنك إذا تكلمت تكتب على عرض حال دمغة؛ لضبط الأمر؛ ولبيان جدية العمل، وليس هناك نص شرعي يخالفها، لسنا نستدل بآية المناجاة: {إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} [المجادلة:١٢] ، ولكن نستدل بأشياء أخر، فالآية منسوخة كما سمعتم، ولكن مسألة المصالح المرسلة، إذا كنت مسئولاً وبابك مفتوح، فالكل سيأتي يتكلم، قد يأتي الذي له حاجة، والذي ليست له حاجة، فيضر الذي ليست له حاجة بالذي له الحاجة، وتضيع الأوقات سدى.

فإذا قال قائل بجواز هذا الأمر، فلا يتكلم الشخص إلا على عرض حال دمغة؛ تنظيماً للأعمال، فلا يقال حينئذ: إنه مبتدع، أو قد أحدث حدثاً في الدين، وغاية ما يقال: إنها مسألة اجتهادية، تعد من المصالح المرسلة، وليست تشريعات تصادم الكتاب والسنة، بل هي تندرج في الجملة تحت قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنتم أعلم بأمور دنياكم) ، فعلى الأقل إذا أثيرت مثل هذه المسألة، فيقال: في المسألة وجهان: وجه بالجواز تنظيماً للأمور وترتيباً للمصالح، ووجه بالمنع؛ لأن الآية منسوخة، وللتعسير الذي يأتي على الفقراء، فحينئذ تمتص المسألة، والله سبحانه وتعالى أعلم.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} [المجادلة:١٢] هل كان ذلك قبل النجوى أو مع النجوى؟ وكم هي الصدقة؟ لم تحدد، فكل على حسب سعته، كل على حسب قدرته وطاقته، وقوله تعالى: {ذَلِكَ} [المجادلة:١٢] أي ذلك التقديم.

{خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ} [المجادلة:١٢] ، فالصدقة تثبت في صحائفكم، وهو طهرة أيضاً لأموالكم.

{فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المجادلة:١٢] ، أي: غفر الله لكم ولا يكلفكم إلا وسعكم، {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:٢٨٦] ، و {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق:٧] .