للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[صور الصد عن سبيل الله]

قوله سبحانه: {فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [المجادلة:١٦] فيها للعلماء قولان مشهوران: القول الأول: (فصدوا عن سبيل الله) أي: أعرضوا عن طريق الإسلام والمسلمين وعن طريق الهدى والخير، ففسر الصدود بالإعراض.

القول الثاني: (فصدوا عن سبيل الله) أي: منعوا غيرهم عن الدخول في الإسلام، فهم أظهروا الإسلام بألسنتهم، وخالفوه وناقضوه وصرفوا الناس عنه، إما أنهم صرفوا الناس بقيلهم، وإما أنهم صرفوا الناس بأفعالهم، صرفوا الناس بقيلهم فتراهم يذهبون إلى شياطينهم كما حكى الله سبحانه وتعالى قولهم لهم: {إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} [البقرة:١٤] ، فهؤلاء يصرفون الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويصرفون الناس عن المؤمنين بتشويشهم على القرآن كما قال سبحانه: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ} [فصلت:٢٦] ، شوشوا عليه حتى لا يفهم، {لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت:٢٦] ، فصرفوا الناس عن كتاب الله بقولهم، وصرفوا الناس عن كتاب الله بأفعالهم، فالشخص إذا كان في ظاهره مسلماً وهو يغش، وهو يكذب، وهو يسرق، وهو يزني، وهو يطعن في نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ويطعن في الإسلام؛ فهو يصرف الناس عن الدين، وإذا كان هناك شخص مسلم، صورته صورة المسلم، شخص ملتح، ويرتدي الثوب الأبيض، ويأتي بالموبقات، وتراه ينصب على الناس، ويغش الناس، ويكذب على الناس، ويغدر بهم؛ فهذا بلا شك سيسبب للناس نفوراً عن الدين، وطعناً في طريق المتبعين لسنة النبي الأمين محمد عليه الصلاة والسلام، فهم يظهرون للناس أنهم على الإسلام، ويطعنون في الإسلام، بالكذب، وبتشويه صورة المسلمين، وبإخلاف المواعيد، وبإلصاق التهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، بل وبالسباب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، كما كان قائلهم يصف الرسول وأصحابه فيقول: ما نرى أصحابنا هؤلاء إلا أكذب ألسنة، وأوسع بطوناً، وأجبن عند اللقاء، حتى نزل فيهم قوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:٦٥-٦٦] ، فالشاهد: أنهم لكونهم أعلنوا راية الإسلام، وقالوا بألسنتهم: لا إله إلا الله، وصاروا من المعدودين على المسلمين، فمن ثم بدءوا يشوهون صورة المسلمين، وهذا مسلك قد سلكه اليهود من قبل، كما قال سبحانه وتعالى: {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [آل عمران:٧٢] ، فإذا آمنتم بكتابهم في الصباح وكفرتم به في المساء فقد شكّكتم الناس في هذا الكتاب؛ فيرجعون عن دينهم.

قال تعالى: {فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [المجادلة:١٦] ، أي: لهم عذاب مذل ومخزٍ.