للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفسير قوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ.)

قال الله: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ} [الممتحنة:٦] ، فالتأسي بهم قد يجلب لك بعض ما جلب إليهم، التأسي بالخليل إبراهيم، والتأسي بأهل الفضل والصلاح؛ قد يجلب لك نوعاً من الابتلاء الذي ابتلوا به، لكن هذا الابتلاء يهون إذا ذكرت اليوم الآخر: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ} [الممتحنة:٦] ، فالتأسي بأهل الفضل والصلاح يجلب للعبد كثيراً من الابتلاءات، فتهون هذه الابتلاءات عليه إذا علم أن هناك حساباً، وأن هناك ثواباً على الصبر، وعقاباً على النكول عن الطريق، ولذلك قال ربنا سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب:٢١] ، فهذا تهييج وتحريض على التأسي مع التذكير باليوم الآخر.

{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [الممتحنة:٦] ، من تولى فكما قال الرسول فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى: (لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئاً) .

فالشاهد: {وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ} [الممتحنة:٦] ، عنه وعن عبادته، {الْحَمِيدُ} [الممتحنة:٦] ، الحميد لأفعال عباده الذين آمنوا به وصدقوه وارتضوا شرعه ومنهجه، فإنك إذا صليت حمد الله لك صلاتك، وإذا تبرأت من عدو الله حمد الله لك تبرؤك، إذا سعيت بين الصفا والمروة فإن الله شاكر لفعلك عليم به، إذا حججت فإن الله عليم بك وحامد لفعلك، فلذلك هو الحميد يحمد أفعال عباده المؤمنين التي فعلوها، وغني عن أهل الشرك والكفر، حميد يحمد للمؤمنين أفعالهم: {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [الممتحنة:٦] .