للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من أحكام الأسماء في الشرع]

وقول عيسى عليه الصلاة والسلام: {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَد} نحتاج إلى وقفة تتعلق بالأسماء، فللأسماء فقه متسع، ولا يسوغ لك أن تسمي كما تشاء، بل لزاماً عليك كمسلم أن تتقيد بالقيود الشرعية التي جاءت في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن الأسماء.

فالأسماء منها أسماء مستحبة، ومنها أسماء مكروهة، ومنها أسماء محرمة لا يحل لك أن تتسمى بها ولا أن تسمي أبناءك بها.

وابتداءً التسمية من حق الأب، ولكن اتفاق الأب مع الأم على الاسم فيه اتساع، هذا شيء.

ومتى يسمى الطفل؟ يجوز أن تسميه فور ولادته، ويجوز أن تسميه في اليوم السابع، ويجوز أن تسميه بعد ذلك، ويجوز أن تسميه قبل أن يولد.

أما التسمية قبل أن يولد: فإن الله سبحانه وتعالى قال لزكريا عليه السلام: {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى} [مريم:٧] ، وقال سبحانه: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ * قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا} [هود:٧١-٧٢] فكانت البشارة بإسحاق وبيعقوب عليهما السلام قبل أن يولد إسحاق وقبل أن يولد يعقوب، وكانت تسمية يحيى قبل أن يولد يحيى عليه السلام.

أما التسمية فور الولادة فلقول النبي صلى الله عليه وسلم (ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم عليه الصلاة والسلام) ، وكذلك قال أبو موسى رضي الله عنه: (ولد لي غلام فذهبت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحنكه وسماه عبد الله) .

وكذلك تجوز التسمية في اليوم السابع لحديث النبي عليه الصلاة والسلام: (كل غلام مرتهن بعقيقته، تعق عنه يوم سابعه، ويسمى) وقد روي هذا الحديث بلفظ: (ويدمى) ، وهو خطأ، والصواب: (ويسمى) أي: ويسمى يوم سابعه، والأمر في هذا واسع.

والأسماء كما أسلفنا منها المستحب، ومنها المحرم، ومنها المكروه.

والأسماء المستحبة تنقسم إلى الآتي: القسم الأول: أحبها على الإطلاق: وهي ما أخرجه مسلم في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أحب الأسماء إلى الله: عبد الله وعبد الرحمن) ، وقد ورد في غير مسلم زيادة: (وأصدقها الحارث وهمام) ، والتحرير يقتضي أن هذه الزيادة ضعيفة، وقد حسنها بعض أهل العلم لكونها مما لا يتعلق بالأحكام، لكن التحرير أن زيادة: (وأصدقها الحارث وهمام) متكلم فيها.

أما الثابت فهو ما في صحيح مسلم: (أحب الأسماء إلى الله: عبد الله وعبد الرحمن) ، فهذان هما أحب الأسماء إلى الله على الإطلاق.

القسم الثاني: كل ما عُبِّد لله سبحانه فهو مستحب، مثل: عبد الرحيم، عبد الكريم، عبد العظيم، ونحو ذلك.

أما حديث: (خير الأسماء ما عُبِّد وما حمد) ؛ فحديث ضعيف لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

القسم الثالث: أسماء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فالتسمي بأسماء الأنبياء مستحب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ولد لي الليلة غلام؛ فسميته باسم أبي إبراهيم عليه السلام) .

وقد ورد حديث بلفظ: (تسموا بأسماء الأنبياء) ، وهو بهذا اللفظ متكلم فيه، والراجح عدم ثبوته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إنما يؤيد التسمي بأسماء الأنبياء قوله عليه الصلاة والسلام: (تسموا باسمي، ولا تكتنوا بكنيتي) ، فحث عليه الصلاة والسلام على التسمي بمحمد، وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم عن شأن مريم فهي ابنة عمران، وموسى هو ابن عمران، ومريم أخت هارون، وموسى هو أخٌ لهارون، فكيف يلتئم هذا مع البون الشاسع والزمن البعيد بينهما؟ فأجاب النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (إنهم كانوا يتسمون بأسماء أنبيائهم والصالحين منهم) ، فكان اسم عمران من أسماء الصالحين في بني إسرائيل، وكان اسم هارون من أسماء الصالحين من بني إسرائيل، فيستحب التسمي بأسماء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ويستحب كذلك التسمي بأسماء الشهداء وأهل الفضل، فإن الشخص يحن إلى من تسمى باسمه.

القسم الرابع: تستحب التسمية بالأسماء ذات المعاني الحسنة الطيبة، فإن الاسم له مدلول على المسمى، ولما قدم سهيل بن عمرو في صلح الحديبية كي يتفق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عليه الصلاة والسلام -فيما رواه البخاري من طريق عكرمة مرسلاً-: (قد سهل لكم من أمركم) أي: كان متفائلاً باسم سهيل بن عمرو، وقال عليه الصلاة والسلام في القبائل: (أسلم سالمها الله، وغفار غفر الله لها، وعصية عصت الله ورسوله) ؛ فللمسمى صلة بالاسم حتى في الرؤيا، قال عليه الصلاة والسلام: (رأيت وأنا في دار عقبة بن رافع، فأتي لنا برطب من رطب ابن طاب، فأولتها أن الرفعة لنا في الدنيا، والعاقبة في الآخرة، وأن ديننا قد طاب) ؛ فللاسم صلة بالمسمى، ويتفاءل بالأسماء الحسنة حتى في الرؤى.

القسم الخامس: الأسماء المحرمة: مثل التسمي بشاهنشاه أي: ملك الأملاك، قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (إن أخنع اسم عند الله سبحانه وتعالى رجل تسمى بشاهنشاه، أي: ملك الأملاك) .

وألحق بعض العلماء بهذا الاسم ما كان على وزنه ومعناه: كسيد السادات، وسيد الناس، إلى غير ذلك مما كان على هذه الشاكلة.

وكذلك الأسماء المعبدة لغير الله سبحانه وتعالى تحرم: كعبد الحسين، وعبد المسيح، وعبد العزى ونحو ذلك، فكلها أسماء محرمة؛ لكونها عبدت لغير الله سبحانه وتعالى.

كذلك أسماء الكافرين التي هي خاصة بهم: كاسم جورج، وبطرس، وزرجس، وغير ذلك من الأسماء التي أصبحت خاصة بالكافرين، فيحرم على المسلم أن يتسمى بها.

كذلك التسمية بأسماء الأصنام: كشخص يسمي ولده اللات، أو العزى، إلى غير ذلك من مسميات الأصنام.

كذلك التسمي بأسماء الله التي هي خاصة بالله سبحانه وتعالى: ككون شخص يسمي ولده الرحمن، فالرحمن لا يليق إلا بالله، ولذلك وسم مسيلمة الكذاب بأنه كذاب مع ادعاء غيره للنبوة، لكن لم يوسم أحد بهذه الصفة وتلازمه هذه الملازمة الطويلة كما لازمت مسيلمة؛ لكونه لقب نفسه برحمان اليمامة، فلما نازع الرب سبحانه وتعالى في هذا الاسم؛ لحقه العار إلى يوم القيامة.

القسم السادس: أسماء مكروهة ومستنكرة: وهذه قد ذكرها العلماء، منها: تلكم الأسماء التي تثير السخرية كأسماء الحيوانات؛ كمن يسمي ولده: البغل! أو الجحش! أو يسمي ولده: الحمار! فكل هذه أسماء مستقبحة ومستهجنة وليست بلائقة أبداً بل فيها إهانة لمن تسمى بها.

كذلك الأسماء التي لا معنى لها: كاللوح، أو برج، أو حائط، ونحو ذلك، فهي أسماء كذلك مستهجنة ومستقبحة.

كذلك هذه الأسماء المائعة الرخوة التي هي إلى الميوعة والتخاذل والتهافت أقرب: كزوزو، وفيفي، وسوسو، ونحو ذلك، فهي أسماء متخاذلة متهافتة مائعة.

كذلك هذه الأسماء المتتركة التي أخذت من الترك: كجودت، وشوكت، ورأفت، وحكمت ونحو ذلك، فهي في الأصل عربية إلا أنها زيدت فيها التاء، وأصبحت بهذه التاء التي ألحقت بها متتركة، كما أسلفنا في رأفت، وجودت، وحشمت، وحكمت، ونحو هذه الأسماء.

كذلك هذه الأسماء المختومة بالياء: كفوزي، ووجدي، ومجدي، ورجائي، ونحو هذه الأسماء فكرهها أيضاً كثير من السلف؛ لعدم عربيتها.

كذلك أسماء الكافرات: كزاكالين، وأنديرا، وسوزان، وجيهان، ونحو هذه الأسماء، فهي أيضاً أسماء كرهها كثير من أهل العلم؛ إذ هي في معانيها غير عربية، فذكر كثير من العلماء أن سوزان معناها: الإبرة! القسم السابع: أسماء تافهة لا تقرها أذواق العرب: كفانيا نانسي، وغير هذه الأسماء التي لا يستحبها العرب، إنما هي إلى الرخاوة والميوعة أقرب، كما قال القائل: أمن عوز الأسماء سميت فانيا فشر سمات المسلمين الكوافر فالاسم يدل على مدى إيمان الذي سماه، فرجل سمى ابنته نانسي، ما هو حجم عقله إذ قاده إلى أن يسمي بهذا الاسم التافه؟ أو يسمي بزوزو، أو سوسو، أو فيفي، أو نوزين، أو شرين، أو شريهان، أو غير ذلك من الأسماء.

كذلك أسماء أهل الظلم والجور، فإن التشبه بأسماء أهل الجور والظلم محرم في كثير من الأحيان، ومكروه في أحيان أخر وبحسب الحال، فلا شك أن من سمى ولده بفرعون أو هامان أو قارون أنه قد أساء إلى ولده غاية الإساءة.

ومن سمى ولده أو ابنته باسم ممثل فاسق أو ممثلة فاسقة، أو راقصة ماجنة، فكذلك له من الإثم والوزر نصيب، إذا كان يقصد التشبه.

وكذلك الأسماء التي تحمل معاني ليست بلائقة: كشادي، وشادية، وغير ذلك، فقد ذكر البعض أن شادية بمعنى المغني، وأن شادي بمعنى القرد! فهذه أسماء كلها ينبغي أن يمعن الشخص النظر فيها، ويسمى ولده باسم يحبه الله ويرضاه، ويحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرضاه.

ومن أهل العلم من كره أيضاً كل اسم ألحقت به كلمة (الدين) : كشهاب الدين، وهو أشد كراهية؛ إذ أن الشهاب من النار، وكره فريق منهم: نور الدين، وعلم الدين، وتقي الدين، ومحيي الدين؛ لأنه اسم عظيم فيه وصف للشخص أكثر مما يستحق.

وقد غير النبي صلى الله عليه وسلم اسم زينب إذ كان اسمها برة، فقيل: تزكى - أي تزكى بهذا الاسم - ويقال: دخل عند برة وخرج من عند برة، فغير النبي صلى الله عليه وسلم برة إلى زينب صلوات الله وسلامه عليه.

كذلك التسمي بالأسماء التي لها معاني سيئة أو معان تجلب النكد والحزن، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما التقى بـ حزن جد سعيد بن المسيب قال له: (ما اسمك؟ قال: حزن.

قال: بل أنت سهل، قال: لا أغير اسماً سمانيه أبي) .

قال: فما زالت الحزونة فينا.

أي -لازمتنا الحزونة لهذا