للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاستدلال بالمفهوم المخالف من أضعف الاستدلالات]

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة:٩] المفهوم المخالف لا يعمل به هنا، يعني: إذا لم ينادى إلى الصلاة ليس معناها لا أسعى إليها، ولهذا قال فريق من أهل العلم: إن الاستدلال بالمفهوم المخالف يكون من أضعف الاستدلالات.

ومعنى المفهوم المخالف يتمثل أو يتضح عند قول الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات:٦] ، إن جاءنا عدل بنبأ هل لا نتبين من الأصل، أو يجوز لنا أيضاً أن نتبين؟ فالمفهوم المخالف يقول: إن جاءك عدل بنبأ فلا تتبين، لكنه ضعيف، وليس بصريح في تقرير القاعدة التي جلبت من ورائه.

فكذلك هاهنا: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا} [الجمعة:٩] لا يفيد أنه: إذا لم ينادى إلى الصلاة لا تسعوا، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة) .

وبهذا استدل العلماء على التفريق بين البدن والبقر، فقالوا: البدن: الإبل، لكن أحياناً قد يأتي التغليب وتكون البدن أو البدنة تطلق على البقرة: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [الحج:٣٦] ، للعلماء فيها القولان.

قال الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة:٩] تقدم الكلام على قوله سبحانه: (وذروا البيع) {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة:٩] ، يعني: إن كانت عندكم عقول وكنتم تفهمون أن متاع الدنيا زائل، وأن ما عند الله خير وأبقى، فإن كنتم تعلمون فإقبالكم على الجمعة خير لكم من اللهو ومن التجارة.

{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ} [الجمعة:١٠] ، تقدم الكلام على ذلك أيضاً.