للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سبب اعتقاد المنافقين كل صيحة عليهم]

{يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ} [المنافقون:٤] .

وهذا شأن كل أثيم، كل أثيم كما يقول المثل العامي المصري: (الذي على رأسه بطحاء يحسس) ، فأنت تتكلم مثلاً في عقوبة الزنا، وفي عقوبة السرقة، وفي عقوبة المرتشي، وليس في ذهنك شخص، ولكن هناك شخص مرتش وزان جالس فيحسب أن الكلام الذي يقال منصب عليه: {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ} [المنافقون:٤] ، وكما قال سبحانه في آية أخرى: {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ} [التوبة:٦٤] .

وهنا يقول الله سبحانه: {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ} [المنافقون:٤] ، أي: كل آية تنزل يظنونها نزلت فيهم، فقد اجتمعت فيهم الموبقات، وعلى حسب الموبقات التي تراكمت عليهم يكون خوفهم وفزعهم، فأنت إذا كنت قد ارتكبت ذنباً واحداً فلن تحسب كل صيحة عليك، وإنما تحسب أن الحديث في هذا الذنب خاصة موجه إليك، لكن إذا كنت قد ارتكبت كل الذنوب، من سرقة وشرب خمر وربا.

إلخ، فكل آية يتكلم بها الشخص تحسبها عليك.

فقوله تعالى: {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ} [المنافقون:٤] ، أي: لكثرة الموبقات التي ارتكبوها، فإنهم كذبوا على رسول الله، وآذوا رسول الله، وحدثوا فكذبوا، ووعدوا فأخلفوا، واؤتمنوا فخافوا، وأضمروا الكفر وأظهروا الإسلام، فكل شيء ينزل في أهل نفاق يحسبونه موجهاً لهم.

قوله تعالى: {هُمُ الْعَدُوُّ} [المنافقون:٤] ، لا يعني نفي عداوة غيرهم، وإنما يعني بيان عظيم العداوة التي يكنونها للإسلام ولرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا كحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس المسكين الذي ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان، إنما المسكين الذي لا يجد غنىً يغنيه، ولا يتفطن إليه فيتصدق عليه) ، فالذي ترده اللقمة واللقمتان مسكين، لكن الأشد منه مسكنة هو الذي لا يجد غنىً يغنيه ولا يتفطن إليه فيتصدق عليه.

وكذلك حديث: (ليس الشديد بالصرعة) ، وحديث: (أتدرون من الرقوب فيكم؟ قالوا: الرقوب من لم يولد له يا رسول الله، قال: ولكن الرقوب الذي لم يقدم شيئاً من الولد) أي: الذي لم يمت له أولاد.

فقوله تعالى: {هُمُ الْعَدُوُّ} [المنافقون:٤] ، من هذا الباب، أي: هم كاملو العداوة لك؛ لأن الكفار أظهروا أمرهم وأظهروا عداوتهم لك، لكن هؤلاء أبطنوا العداوة وأظهروا الإسلام، فكانت عداوتهم أشد وأبشع.