للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفسير قوله تعالى: (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا.)

{زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا} [التغابن:٧] .

قوله: (زعم) بمعنى: ظن، والزعم يأتي في كتاب الله وفي سنة رسول الله وفي لغة العرب على معانٍ متعددة: فأحياناً يأتي (الزعم) ويراد به الكذب الصراح، وأحياناً يأتي (الزعم) ويراد به مطلق القول صدقاً كان أو كذباً، وأحياناً يأتي (الزعم) ويراد به القول المشوب بالكذب.

قالت أم هانئ لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (زعم ابن أمي -أي: علي رضي الله عنه- أنه قاتل رجلاً قد أجرته يا رسول الله، قال: قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ) .

فالزعم هنا بمعنى: الظن، وقد ورد في الأثر وبعضهم رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بئس مطية الرجل زعمه، يعلق عليها كل شيء) .

قوله: {أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا} [التغابن:٧] أي: أن لن يكون هناك بعث ولا جمع ولا حساب.

قال تعالى: {قُلْ بَلَى وَرَبِّي} [التغابن:٧] : هذه إحدى ثلاث آيات أمر الله فيها نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يقسم بربه، ألا وهي قوله تعالى: {قُلْ بَلَى وَرَبِّي} [التغابن:٧] فالواو: واو القسم، والآية الثانية: هي قوله تعالى في سورة يونس: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} [يونس:٥٣] ، والآية الثالثة: هي قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ} [سبأ:٣] ، فهي ثلاث آيات في كتاب الله أمر الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يقسم فيها بربه.

قال تعالى: {ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [التغابن:٧] .

أي: لتخبرن بما صنعتم في دنياكم، وهذا في حق المؤمن، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (يدني الله المؤمن يوم القيامة ويضع عليه كنفه ويستره من الناس، ثم يقرره بذنوبه، أعملت كذا وكذا في يوم كذا وكذا؟ فيقول: بلى يا رب، أعملت كذا وكذا في يوم كذا وكذا؟ فيقول: بلى يا رب، حتى يظن أنه قد هلك، فيقول الله له: أنا سترتها لك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم) .

وأما الكفار والمنافقون فقال تعالى عنهم: {وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود:١٨] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يقال للعبد يوم القيامة: عملت كذا وكذا، فيقول: لا، فيختم على فيه بعد أن يقول: يا رب ألم تجرني من الظلم، فيقول الله له: بلى، فيقول: فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهداً منها، فيختم على فيه فتنطق فخذه بما أحدث) .

وكما قال الله سبحانه وتعالى: {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [فصلت:٢١] .

فالكل ينبأ بما عمل يوم القيامة، أهل الإيمان ينبئون بما عملوا يوم القيامة، وأهل الكفر ينبئون بما عملوا يوم القيامة، كما قال الله سبحانه: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه} [الزلزلة:٧-٨] ، وكما قال سبحانه: {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف:٤٩] ، وقال: {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية:٢٩] .