للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى الغبن]

{يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} [التغابن:٩] : التغابن: من قوله: غُبن فلان: أي: خسر، غبن فلان فلاناً، أي: انتقصه من حقه، وجدير بنا هنا أن نبين بعض أحكام الغبن في التجارات؛ إذ هذا محلها.

فالغبن: أن تشتري سلعة لها ثمن معين، فتشتريها بثمن شديد البخس، مثل سلعة قيمتها مائة، فتشتريها إما بعشرة أو بألف، فإن اشتريتها بألف فقد غبنت أنت، وإن اشتريتها بعشرة فقد غبنت صاحبها، فهذا يرد البيع به عند أكثر الفقهاء، بل ادعى فريق منهم الإجماع على رد السلعة بالغبن الفاحش.

فمثلاً: متعارف على أن الكيلو السكر بجنيه ونصف أو باثنين، ذهبت إلى بقال فباع منك الكيلو بعشرة جنيهات، فيكون قد غبنك غبناً فاحشاً، فترد السلعة بهذا الغبن الفاحش.

مثال آخر: طبيب تعارف الناس على أن الكشف الطبي بعشرة جنيهات، فكشف عليك بمائة جنيه، فهذا يسمى غبناً فاحشاً، ولك أن تطالبه شرعاً بالمبلغ الذي زاد على المعتاد، وهذه صورة مستثناة من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا) .

وكذلك لو أن بيتاً من البيوت قيمته تقدر بمائة ألف فباعه بمليون، فترد هذه البيعة بسبب هذا الغبن الفاحش، إذ هو نوع من أنواع الغش.

تَرِدْ علينا مسألة هنا أيضاً: هل لتحديد الكسب شيء في كتاب الله، أو في سنة رسول الله؟ هل هناك نسبة للربح في الكتاب أو في السنة؟ ف

الجواب

أنه ليس هناك نسبة للربح في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما الأمر في هذه المسائل يردُّ إلى الأعراف وإلى تقديرات الناس، فاعتبار الأعراف وتقديرات الناس له جملة من الأدلة في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فأحياناً تبيع السلع وتكسب فيها عشرة أضعافها ولا تكون قد غبنت المشتري، فمثلاً: اشتريت قطعة أرض (الآن) المتر بمائة جنيه، ثم صدر قانون فارتفعت أسعار الأراضي فجأة، فالذي بمائة أصبح بعشرة آلاف، فبعتها بعشرة آلاف للمتر الواحد، فكسبت فيها مائة ضعف، وفي نفس الوقت لم تغش ولم تظلم أحداً.

أما إذا غررت بشخص، وبعت له السلعة التي هي بواحد فبعتها باثنين، في أحوال معتادة، فتكون قد غبنته، ويرد البيع بسبب هذا الغبن الفاحش.

فالمسألة إذاً نسبية لا تطرد، بل على حسب الأعراف السائدة، ولتقرير مسألة الأعراف نورد جملة من الأدلة لعلها تنفع في هذا الباب.

فمن هذه الأدلة: اعتبار الأعراف في مسألة مهر المثل، فمهر المثل له أدلته من كتاب الله ومن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، قال الله سبحانه: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء:٣] ، فقوله: (إن خفتم أن لا تقسطوا) أي: أن لا تعدلوا مع اليتامى إذا أردتم أن تتزوجوهن، والإقساط مع اليتيمة: أن تبلغ بها أعلى حد في الصداق، فللصداق سنة يقاس عليها.

وكذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث بروع بنت واشق: (لها مهر مثلها من غير وكس ولا شطط) ، ومهر المثل يقدر بالأعراف السائدة.

وكذلك لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم المسيح الدجال، قال: (إن يوماً من أيامه كسنة، وإن يوماً من أيامه كشهر، وإن يوماً من أيامه كجمعة، وإن سائر أيامه كأيامكم، فقالوا: يا رسول الله! هذا اليوم الذي من أيامه كسنة، هل تكفينا فيه صلاة يوم واحد، قال: لا.

اقدروا له قدره) أي: قيسوا الأمور قياساً، فاجعلوا كل زمان يوازي يومكم فيه خمس صلوات، فلا تكفي خمس صلوات في اليوم الذي هو كسنة.

فاعتبار الأعراف والتقديرات له جملة أدلة في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا ينعكس على مسائل الغبن في البيع أو الشراء.