للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (قل أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي.]

{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الملك:٢٨] إن أهلكني الله أو رحمني، وإن مت أو حييت، فهذا بيني وبين ربي، لكن أنتم من يجيركم -يا كافرون- من عذاب أليم، فالكل ميت ومغادر لهذه الحياة الدنيا كما قال الله: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِينْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [الأنبياء:٣٤] ، وهنا قال: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا} إن رحمنا أو عذبنا، إن أحيانا أو أماتنا، سلوا أنتم عن أنفسكم ولا تشتغلوا بغيركم، فمن يجيركم أنتم من عذاب أليم؟ والآية فيها دلالة على أن الشخص عليه أن ينشغل كثيراً بنفسه لتهذيبها وإصلاحها، فأنا إن مت يا أيها الكافر! وأنا إن مت -يا مسلم- أو حييت أو عذبت أو رحمت، فهذا شأني مع ربي، وانشغل أنت بشأنك واسأل نفسك: بماذا ستقابل ربك سبحانه وتعالى؟ وكما قال القائل: يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه وينسى الجذع في عينه!! {قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ} [الملك:٢٩] الشيوعي يفتخر بشيوعيته، النصراني يفتخر بنصرانيته، الفاجر يفتخر بعشيقته وصديقته، فأنت يا مسلم! افتخر بدينك وأعلنها صريحة فأنت أولى بذلك: {قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ} ، {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة:١٣٦] ، فعار على المسلم أن ينتكس ويبتعد عن سنة رسول الله، أو يستخفي عند التمسك بالسنة!! {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:١٠] أي: خاب من أخفى نفسه عن الخير، عار عليك أن تخفي تمسكك بسنة الرسول، والنصراني أمامك يعلق الصليب في رقبته شاهراً نصرانيته وشاهراً باطله على صدره، وأنت -يا مسلم- تتخفى وتدس نفسك وتخفيها عن الخير، ولا تعلن أنك من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم!! {قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ} وإن كذبتم بالرحمن، وإن أشركتم مع الرحمن آلهة أخرى، {قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الملك:٢٩] أي: بعدٌ بعيد عن سواء الصراط، والضلال: التيه والبعد والضياع.

لو قيل: لماذا كرر اسم الرحمن كثيراً في كتاب الله؟ الظاهر -والله أعلم- لأن أهل الشرك كانوا ينكرون اسم الرحمن، في صلح الحديبية قال صلى الله عليه وسلم لـ علي: (اكتب بسم الله الرحمن الرحيم) فقام سهيل بن عمرو واعترض وقال: لا تكتب الرحمن!! فإنا لا نعرف الرحمن، ولكن اكتب: باسمك اللهم، وقد قال تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء:١١٠] .

{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا} [الملك:٣٠] أي: إن أصبح ماء الآبار عندكم غائراً في الأرض فلا تنالونه، ولا تدركه الدلاء، {فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} [الملك:٣٠] أي: من يأتيكم بماء عذب؟ الله سبحانه وتعالى رفع عنكم العذاب، ورفع عنكم البلاء وأكرمكم بهذه الكرامات، فجدير بمن صنع بكم هذا أن تشكروه وأن توحدوه وأن تكثروا من حمده وشكره، والله أعلم.

وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.