للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[هل يجوز للمرأة أن تتصرف في مالها بغير إذن زوجها؟]

السؤال

تنازلت زوجتي عن مبلغ ثلاثين ألف جنيه من ميراثها من وليها لشقيقها الوحيد الذي لم يتزوج بحجة أنه لم يتزوج، ولكنه ثري وعنده ما يكفيه، وبعد ذلك تركت له أرضها التي تؤجر بمبلغ ستة آلاف جنيه سنوياً، ويستولي أخوها على المبلغ كله دون أن يعطيها منه شيئاً، وحينما حدثتها في ذلك ثارت وقالت لي: ليس من حقك التدخل في أموالي، وعندما حدثت شقيقها في عدم أحقيته في أخذ المبلغ قال لي: ليس هذا من شأنك، وقد قرأت في فتاوي الشيخ فلان أنه لا يحق للمرأة التصرف في مالها بدون إذن زوجها، فما المطلوب مني تجاه هذا الموضوع، خصوصاً أنني غير مستريح نفسياً من زوجتي؟

الجواب

في الحقيقة أن هذا الباب وردت فيه جملة أدلة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستدل بها بعض العلماء على منع المرأة من التصرف في مالها إلا إذا أذن لها زوجها، كحديث: (لا يحل للمرأة عطية من مالها إلا بإذن زوجها) هذا الدليل المانع، لكن -والله سبحانه أعلم- الجمهور على أن هذا الحديث على الاستحباب وليس على الإيجاب، حتى تدوم العشرة بين الزوجين على ما يرضي، والأصل أن المرأة أحق بالتصرف في مالها، إذ هو مالها، والدليل على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم (لما انتهى من خطبة العيد ذهب إلى النساء يذكرهن ومعه بلال، وبلال باسط ثوبه، فجعلت المرأة تلقي خرصها وسخابها -أي: العقد والحلق- في حجر بلال) ، ولم يرد أن النساء ذهبن واستأذن من الأزواج حينئذٍ، فلو كان استئذان المرأة لزوجها في إنفاق مالها واجباً لأمرهن النبي أن يستأذن أزواجهن، فلما لم يأمرهن النبي صلى الله عليه وسلم باستئذان الأزواج دل ذلك على عدم الوجوب.

بيد أن حديث (نهي المرأة عن التصدق بمالها إلا بإذن زوجها) فيه كلام من الناحية الحديثية ومن الناحية الفقهية أيضاً، فمن العلماء من حمل: (من مالها إلا بإذن زوجها) أي: من مالها الذي أعطاها إياه الزوج، وهذا وجه آخر للتوجيه، أما القطع بأن إنفاق المرأة مالها بغير إذن زوجها حرام فهو قول لا وجه له، إذ الأدلة تدفعه، والله أعلم.

لكن فقط من باب تطييب الخواطر، ودوام المودة والمحبة بين الزوجين يستحب لها ذلك، حتى تدوم معيشتها مع الزوج، وتطيب خاطره ولو بالكلمة الطيبة، أما أنه يتسلط عليها ويفرض عليها أن تفعل أو لا تفعل فليس هذا من حقه إذ قد يطلقها من الغد، فإذا قلنا: له أن يمنعها أو يجب عليها أن تستأذن منه، سيتسلط ويقول لها: أنفقي في موطن كذا، ولي هذا، وكأنه من حقه!! فالصداق الذي هو لها من الزوج يقول الله فيه: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء:٤] إن طابت نفسها لزوجها بجزء من المال، فليس لأخيها أن يأتي ويقول لها: لا تعطي الزوج، ليس لأخيها ذلك.

ولكن نقول: ينبغي للمرأة أن تكون عاقلة ورشيدة في التصرف، فإذا نظرنا إلى قوله تعالى في شأن المهور: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ} [النساء:٤] ولم يقل: طبن لكم عن كل الصداق، إنما قال: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} ، فيستحب للمرأة أن تبقي في يديها بعض الأموال لتتصدق بها وتحسن بها إلى الفقراء، وخاصة إذا كان أخوها من الأثرياء، فالصدقة على الذي هو أشد احتياجاً تبلغ مبلغاً أعظم في الأجر، فالمرأة إذا أرادت الثواب العظيم والأجر الجزيل من الله سبحانه عليها أن تعمد إلى أهل الاستحقاق فتنفق عليهم، أما الزوج فما عليه إلا النصح، والله أعلم.