للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (إن ربك يعلم أنك.]

قال الله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ} [المزمل:٢٠] أي: أن أمرك لا يخفى على الله سبحانه وتعالى، هو يعلم حالك ويعلم قيامك كما قال الله سبحانه وتعالى: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [الشعراء:٢١٨-٢١٩] ، وكما قال سبحانه وتعالى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [فصلت:٤٠] ، وينبغي أن تثار في مثل هذا الموطن الآيات والأحاديث الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في باب المراقبة، وتعتقد يقيناً أن الله يراك عندما تعمل أي عمل، وهذه منزلة الإحسان، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) ، وفي هذا الباب يقول سبحانه ما سمعتموه: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [الشعراء:٢١٨-٢١٩] ، ويقول سبحانه: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المجادلة:٧] .

ومن هذا الباب قول أبي بكر، للنبي صلى الله عليه وسلم وهما في الغار: (يا رسول الله! لو نظر أحدهم إلى قدميه لأبصرنا! قال له: يا أبا بكر! ما ظنك باثنين الله ثالثهما) ، فيجب أن يستحضر العبد هذا دائماً، تعلم في كل وقت وحين أن الله يراك، ومطلع عليك، وعالم بأحوالك، وبأقوالك، وبنياتك، وبما يصلحك، وبما يكون سبباً لفسادك، قال تعالى: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ} [الشورى:٢٧] .

قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ} [المزمل:٢٠] أي: طائفة من الذين آمنوا بك يقومون معك هذا القيام، أو يقومون مثل قيامك في بيوتهم، {وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} [المزمل:٢٠] ، يعلم مقادير الليل ويعلم مقادير النهار، والتقدير أحياناً يطلق على الحساب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في شأن الدجال: (إن يوماً من أيامه كسنه، وإن يوماً من أيامه كشهر، وإن يوماً من أيامه كجمعة) الحديث، فسئل النبي صلى الله عليه وسلم: (هذا اليوم -يا رسول الله- الذي هو كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم واحد؟ قال: لا، اقدروا له قدره) ، فالتقدير يطلق أحياناً على الحساب، وله معان أخر.

{وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} [المزمل:٢٠] أي: يعلم مقادير الليل ومقادير النهار، وأوقات الليل وأوقات النهار.