للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[القول الفصل في جلسة الاستراحة]

السؤال

ما هو القول الفصل في جلسة الاستراحة؟

الجواب

عمدة القائلين بمشروعية جلسة الاستراحة أربعة أدلة: الدليل الأول: وهو أقواها ما أخرجه البخاري من حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه في وصفه لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (وكان يصنع شيئاً لا أراكم تصنعونه، كان يجلس قبل أن ينهض للثانية والرابعة) .

الدليل الثاني: حديث أبي حميد الساعدي على الخلاف في إثبات زيادة جلسة الاستراحة فيه.

الدليل الثالث: حديث أبي هريرة في قصة المسيء صلاته، والخلاف فيه بنفس الطريقة التي سمعتها في حديث أبي حميد الساعدي، فقد روى عنه عبد الحميد بن جعفر عن محمد بن عمرو بن عطاء فذكر الحديث وأثبت فيه هذه الجلسة، عند الترمذي، وغير عبد الحميد بن جعفر روى الحديث عن محمد بن عمرو بن عطاء عن أبي هريرة ليس فيه ذكر الجلسة، فالخلاف هنا كالخلاف في قصة أبي حميد الساعدي.

الدليل الرابع الذي استدلوا به: من قال بصحة حديث صلاة التسابيح استأنس منه أنه ذكرت فيه هذه الجلسة.

هذه هي حجج القائلين بالجواز.

أما حجج القائلين بعدم المشروعية أو بأنها لا تفعل إلا عند الحاجة: أولاً القائلين بالاستحباب الشافعية كما نقله عنهم النووي وغيره.

أما الثلاثة الآخرون أحمد وأبو حنيفة ومالك رحمهم الله فيقولون: تفعل عند الحاجة، وأجابوا عن حديث مالك بن الحويرث بأن مالك بن الحويرث أسلم متأخراً، وأتى الرسول عليه الصلاة والسلام متأخراً، فكان الرسول عليه الصلاة والسلام قد ناهز الستين أو تجاوزها عليه الصلاة والسلام.

ووردت رواية أن الرسول علل هذه الجلسة بقوله: (إني قد بدنت) أي: سمنت، فإن ثبتت هذه الرواية أو لم تثبت قالوا: إن مجيء مالك بن الحويرث إلى الرسول عليه الصلاة والسلام كان في آخر حياته عليه الصلاة والسلام، فكان يفعلها الرسول للحاجة، بدليل أن الروايات الثابتة الصحيحة -باستثناء ما ذكرنا- هي الغالبة في وصف صلاة رسول الله عليه الصلاة والسلام ولم تثبت جلسة الاستراحة.

ففرق بين وصف شخص لازم الرسول عليه الصلاة والسلام طيلة الدعوة، ووصف شخص متأخر مكث عند الرسول عشرين يوماً، (قال مالك: أتينا رسول الله ونحن شببة متقاربون) فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) قوله: (صلوا كما رأيتموني أصلي) استدل به الشافعية فقالوا: إن الرسول عليه الصلاة والسلام علمنا الصلاة ولم يستثن جلسة الاستراحة فقال عليه الصلاة والسلام: (صلوا كما رأيتموني أصلي) ، وما دام أنه جلس فنجلس.

والآخرون قالوا: إن قوله عليه الصلاة والسلام: (صلوا كما رأيتموني أصلي) خبر مجمل أي: صلوا في عموم الذي رأيتموني أصلي به، لكن ليس على التفصيل، وقالوا: إن مالك بن الحويرث أسلم متأخراً والرسول فعلها عند كبر سنه، لأن الروايات الأخر ليس فيها إثبات جلسة الاستراحة، قالوا: ومما يدل على عدم مشروعيتها أنه ليس فيها ذكر، فنحن في الركوع نقول: سبحان ربي العظيم، وفي السجود نقول: سبحان ربي الأعلى، وبين السجدتين ربي اغفر لي ربي اغفر لي، والجلسة الأخيرة نقرأ التشهد، وليس في جلسة الاستراحة ذكر.

والمسألة الأمر فيها على السعة، فإن أحب أحدنا أن يجلس للاستراحة جلس، وإن رأى عدم الجلوس فلا يجلس.

لكن إذا كان الإمام يجلس جلسة الاستراحة، فهل يبقى الأمر على السعة أقول: هنا الخلاف شر، بل افعل ما يفعله إمامك، إلا إذا احتجت أنت إليها لدلالتك ونحو ذلك، فالمسألة فيها الرأيان للعلماء.

وهكذا صار السلف فيها على القولين.

فـ ابن حزم رحمه الله انتصر لإثباتها انتصاراً شديداً، استدلالاً بحديث مالك بن الحويرث رحمه الله تعالى ورضي الله عنه.