للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفسير قوله تعالى: (إن يوم الفصل كان ميقاتاً.)

{إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا} [النبأ:١٧] ، كل هذه الأشياء ذكرت لإثبات البعث.

{إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا} ، أي: وقتاً مؤقتاً للفصل بين العباد، وسيرون فيه عاقبة التكذيب الذي كذبوه.

{يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ} [النبأ:١٨] الصور: قرن ينفخ فيه، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (الصور: قرن ينفخ فيه) ، أما قتادة فيرى أن الصور: الخلق.

والتأويل على قوله: {يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ} ، أي: تنفخ الأرواح في الأجساد، وهذا المعنى دارج في عدة آيات من كتاب الله، فروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في تأويل قوله تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر:٢٧-٢٩] ، أي: ادخلي -أيتها الأرواح- في أجساد عبادي، وهذا تأويل عبد الله بن عباس، واختاره ابن جرير الطبري ولم يحك غيره، قال الطبري في تأويل قوله تعالى: {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} ، أي: ادخلي أيتها الأرواح التي خرجتِ من عبادي في الدنيا بعد أن ماتوا، وصعدتِ إلى السماء؛ ادخلي مرة ثانية في عبادي وذلك يوم البعث، واستدل لها بقراءة وردت في الآية: (فادخلي في عبدي) أي: ادخلي في جسد عبدي.

وكثير من العلماء قالوا: إن قوله تعالى: {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} ، أي: ادخلي -يا أيتها النفس- في زمرة عبادي الصالحين، وانتظمي في سلك عبادي الصالحين، وتنعمي معهم حيث يتنعمون، والله أعلم.

شاهدنا: أن قتادة قال: (الصور) : الخلق، والمراد بالنفخ في الصور عند قتادة: أن تنفخ الأرواح في الأجساد، لكن التأويل الأصح هنا -وهو الذي عليه الأكثرون- أن المراد بالنفخ في الصور: هو نفخ إسرافيل في الصور، قال عليه الصلاة والسلام: (كيف أنعم وقد التقم صاحب القرن القرن، وحنى جبهته وانتظر متى يؤمر؟!) .

{يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا} [النبأ:١٨] ، الأفواج: الجماعات، جمع فوج.

وأفادت هذه الآية الكريمة أن الناس يأتون يوم القيامة أفواجاً، ونحوها قوله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا} [الزمر:٧٣] ، ونحوها أيضاً قوله تعالى في شأن قوم فرعون: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ} [هود:٩٨] ، فكيف يجمع بين هذا الذي حاصله أن بني آدم يأتون يوم القيامة أفواجاً، وبين قوله تعالى: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} [مريم:٩٥] ؟ تقدم مراراً أن دفع مثل هذا الإشكال يكون بما حاصله: أن يوم القيامة تتعدد فيه المواقف، فمقدار ألف سنة مما تعدون، ففي بعض الساعات يحصل فيها كذا، وبعض الساعات يحصل فيها شيء آخر، فعند العتاب: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} [مريم:٩٥] ، (ما منكم من أحد إلا وسيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان) الحديث.