للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (ليس لهم طعام إلا من ضريع)]

قال الله: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ} [الغاشية:٦] الضريع: بعض أهل العلم يقولون: هو طعامٌ خبيث من نبات يقال له: ضريع يعرفه العرب، وهو سمٌ من السموم، يمزق الأمعاء في الدنيا، لكن ضريع الآخرة أشد.

{لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ} فإن قال قائل: كيف قيل هنا: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ} وفي الآية الأخرى: {وَلا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ} [الحاقة:٣٦] وهو: صديد أهل النار، أو غسالة أهل النار، فكيف يوفق بين هذه الآيات؟ من العلماء من قال: إن هذا محمولٌ على التنوع، فمن الكفار من ليس لهم طعام إلا من ضريع، وكفار آخرون ليس لهم طعامٌ إلا من غسلين، فأهل النار يتفاوتون في العذاب، كما قال سبحانه وتعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:٤٦] ، وكما قال جل ذكره: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [النساء:١٤٥] ، وكما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما سأله العباس وقال: يا رسول الله! أبو طالب كان يحوطك ويرعاك ويمنعك فهل نفعته بشيء، قال: (نعم.

هو في ضحضاح من نار يغلي منهما دماغه، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار) فدلت هذه النصوص على أن أهل النار يتفاوتون في العذاب، كما قال جل ذكره: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ العَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ} [النحل:٨٨] ، وكما قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ} [العنكبوت:١٢-١٣] فدلت هذه النصوص على أن أهل النار يتفاوتون في العذاب.

الشاهد: أن من أهل العلم من قال: إن هناك طوائف من أهل النار طعامها الغسلين، وطوائف من أهل النار طعامهم ضريع، وقولٌ آخر: إن الأطعمة تتنوع لكن في وقت معين طعامهم الضريع ليس لهم إلا الضريع، فمثلاً: ألف سنة طعامهم الضريع، وألف سنة أخرى طعامهم الغسلين، ليس لهم إلا هو، ((لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ)) وثم أقوال أخر.

{لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ} وهل الضريع والغسلين طعام حتى يقال: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ} ؟ الإجابة: أن الضريع والغسلين أطلق عليهما تجوزاً: طعام وإلا فهما كما قال سبحانه: {لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ} [الغاشية:٧] ، ومن العلماء من قال: هو استثناء منقطع، ليس لهم أكل لكن لهم الضريع، كما قال الشاعر: وبلدة ليس بها أنيس إلا اليعافير وإلا العيس فاليعافير ليست بأنيس.

قال سبحانه: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ} * {لا يُسْمِنُ} هذا الضريع لا يسمن الأجسام، ((وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ)) فلما كان {لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ} فوجه الضرر فيه محض؛ أنه لا يشبعهم بل يزيدهم ألماً إلى آلامهم.