للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (لسعيها راضية)]

قال تعالى: {لِسَعْيِهَا} [الغاشية:٩] والمراد بالسعي: العمل الذي عملته في الدنيا تتقرب به إلى الله، كما قال تعالى: {وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} [الإسراء:١٩] .

مشكوراً مِن مَن؟ من أهل العلم من قال: مشكوراً من الله سبحانه وتعالى، وهذا رأي الأكثرين، وفريقٌ قالوا: مشكوراً من الله، ومشكوراً من أصحاب العمل أنفسهم، سيشكرون سعيهم يوماً ما.

قال الله سبحانه: (لِسَعْيِهَا) أي: لعملها الذي عملته في الدنيا راضية، أي أن أصحاب هذه الوجوه راضون عن سعيهم وعملهم الذي عملوه في الدنيا، ومن العلماء من قال قولاً آخر، فقال: إن معنى: {لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ} [الغاشية:٩] أي: أنها راضية بالثواب الذي أعطاه الله لها مقابل السعي، وراضية بالأجر الذي أعطيته مقابل هذا السعي، فشخصٌ -مثلاً- تصدق بلقمة من كسب طيب فأخذها الله سبحانه وتعالى ورباها ونماها له حتى تأتي يوم القيامة كالجبل العظيم، ما له ألا يرضى وقد تضاعف الأجر إلى هذا القدر؟! ورجلٌ عمل حسنة فجاءت يوم القيامة بعشر أمثالها، ما باله لا يرضى؟ ورجلٌ عمل حسنة فجاءت يوم القيامة بثمانمائة ضعف، ما باله لا يرضى؟ فقال هذا الفريق: إن معنى قوله سبحانه: {لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ} أي: لثواب سعيها راضية، وأيد هؤلاء العلماء قولهم بأن المؤمن لا يكاد يرضى بالقدر الذي عمله من الخير في الدنيا يوم القيامة، بل يتمنى أنه عمل خيراً أكثر من ذلك، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في معنى الحديث: (ما من أحدٍ يموت له عند الله خير يرجو أن يرجع إلى الدنيا إلا الشهيد) فمع أنه شهيد وقتل في سبيل الله، لكن يريد أن يرجع إلى الدنيا حتى يقتل في سبيل الله، وقال عليه الصلاة والسلام: (والذي نفسي بيده لوددت أني أغزو في سبيل الله فأقتل، ثم أحيا ثم أقتل) الحديث.

إلخ، فتمنى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقتل مرات في سبيل الله، فأهل الصلاح يتمنون يوم القيامة أنهم لو زادوا من الخير، هذا قولٌ من الأقوال.

والله أعلم بالصواب.

إذاً: فمعنى قوله سبحانه وتعالى: {لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ} فيه قولان: أولاً: المراد بالسعي هو: العمل، لكن من العلماء من أجرى التفسير على ظاهر الآية، ومنهم من قدر إضماراً فيها.

يعني: منهم من قال: {لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ} أي: هي راضية عن عملها الخير الذي عملته في الدنيا، ترجو به وجه الله سبحانه وتعالى، فقد وجدته في الآخرة.

القول الثاني: أنها لثواب سعيها وللمقابل الذي أخذته لسعيها راضية عن هذا المقابل وشاكرة لهذا المقابل، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يقول الله يوم القيامة لأهل الجنة: يا أهل الجنة! هل تريدون شيئاً أزيدكم؟! فيقولون: يا ربنا! وهل فوق ما أعطيتنا؟ ألم تبيض وجوهنا، ألم تجرنا من النار، فيقول الله سبحانه: أحلل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبداً) الحديث.