للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات.]

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا} [النساء:٥٧] .

بعد أن ذكر تعالى عقاب أهل النار ذكر ثواب أهل الجنة، فأتى بهذا بعد هذا، فذكر عقوبة الكافرين، ثم ذكر جزاء المؤمنين يسميه العلماء مقابلة، وقد وصف الله القرآن بأنه مثاني، قال بعض أهل العلم: لأنه يأتي بعقوبة الكافرين ثم يأتي بجزاء المؤمنين، ونحوه قوله تعالى: {هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ} [ص:٥٧] ، فالحميم: شديد الحرارة جداً، والغساق: شديد البرودة جداً، وثمَّ أقوال أخر في تفسير المثاني.

وفي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} ردٌ على من قال: إن المجنون أفضل من المؤمن العاقل، وذلك لأن المؤمن العاقل عامل للصالحات، ونصوص الوعد والثواب جاءت له، ومنها قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا} [الكهف:١٠٧] ، وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ} [يونس:٩] ، فقيد الإيمان بالعمل الصالح، والمجنون لم يعمل صالحاً، فالقول بأنه أفضل من المؤمن العاقل الذي عمل صالحاً قولٌ بلا علم، والمجنون أمره إلى الله تعالى؛ لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (أربعةٌ يدلون بحججهم عند الله سبحانه وتعالى، وذكر منهم رجلاً مجنوناً يقول: يا رب! أتى رسولك وأنا رجل لا أفقه، فيختبر بجنة ونار، ثم يؤمر باقتحام النار، فإن دخلها كانت عليه برداً وسلاماً، وإن لم يدخلها عُذّب) ، أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

كما أن التكريم بعمل الصالحات في هذه الآية وفي غيرها يبطل أقوال المتصوفة الذين يقولون بخلاف ذلك، كمن يصلي إلى غير القبلة، ويزعم أنه ولي من أولياء الله تعالى، أو يصلي وهو يبول على نفسه في الصلاة! كما يفعله صاحب قرية ميت الكرماء واسمه: السيد العسكري، فهو يصلي إلى غير القبلة أمام الناس كلهم، ويبول في الصلاة، ويصلي في الخيش القذرة، ومع ذلك يعبده أهل ميت الكرماء إلا من رحم الله منهم، ويزعمون أنه من أولياء الله الصالحين، بل هو من الفجار في الظاهر، والحكم عند الله سبحانه وتعالى يقضي فيه بما يشاء.

وقوله تعالى: {لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ} [النساء:٥٧] الأزواج قد تطلق على النساء، وقد يأتي الزوج بمعنى الصنف، كقوله تعالى: {وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا} [النبأ:٨] ، ومن أهل العلم من قسر الأزواج في قوله تعالى:: {وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا} [النبأ:٨] فقال: أي: ذكراً وأنثى، ومنهم من عمم التفسير وقال: إن أزواجاً معناها أصنافاً، والتفسير الأعم أولى من التفسير ببعض المفردات في كثير من الأحيان، فالأخذ بالعموم في هذا التأويل أولى من الأخذ بالخصوص؛ لأنه يدخل فيه الخصوص، فمعنى قوله تعالى: {وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا} [النبأ:٨] أي: أصنافاً، فمنكم الذكر ومنكم الأنثى، ومنكم القوي ومنكم الضعيف، ومنكم العزيز ومنكم الذليل، ومنكم الجميل ومنكم الدميم، إلى غير ذلك.

وأحياناً يتعين التفسير بالخصوص في بعض المفردات كما في قوله تعالى هنا: {لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ} [النساء:٥٧] ، فالأزواج هنا لا بد أن تحمل على النساء بقرينة وهي: (مُطَهَّرَة) ، ومعنى: (مُطَهَّرَة) قال فريق من العلماء: مطهرة من البول والحيض والبزاق والتفل ونحو ذلك، وقد جاء في ذلك خبرٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو قوله: (أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، لا يبزقون فيها، ولا يبولون ولا يمتخطون) ، ومن أهل العلم من قال: مطهرة أيضاً من الغل والأحقاد، وصنوف الحيل والمكر التي تتسرب إلى نساء الدنيا.