للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم التصوير الفوتوغرافي]

السؤال

يقول: لقد قرأت في كُتيب للشيخ عبد الله بن جبرين أن الصور الفوتوغرافية حرام، وصدقت ذلك وامتنعت عن الصور، ولكني رأيت صورة الشيخ عبد الحميد كشك والشيخ حسن البناء والشيخ محمد الغزالي على الكتب الخاصة بكل واحد منهم، وقرأت أيضاً أن الصور حرام في روائع البيان ولكني حائر هل هي حرام أم حلال؟

الجواب

حق للسائل أن يتحير؛ لأنه لم يعرف المصدر الأصل الذي يتلقى منه دينه، فاعلم أن المصدر الأصل الذي تتلقى منه دينك كتاب الله وسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، فليست العبرة بقول الشيخ ابن جبرين، ولا بقول الشيخ الغزالي، ولا بقول الشيخ فلان ولا فلان، الحجة دائماً قال الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاسأل عن دينك، اسأل كما كان الصحابة يسألون، ماذا في كتاب الله عن كذا؟ ماذا في سنة رسول الله عن كذا؟ أما تقول: صورة الشيخ الفلاني موجودة، وتحتج بالشيخ، لا، أبداً لا تسير الأمور هكذا، إنما اسأل عن الدليل الذي استدل به هؤلاء أو أولئك، ما هو الوارد عن رسول الله في الصور؟ اسأل عن هذا: هل ورد في كتاب الله شيء عن الصور؟ اسأل: هل نبيك كانت له صورة؟ وأين صورة نبيك محمد عليه الصلاة والسلام؟ كان الممثلون والنحاتون موجودين على عهد الرسول، وكانوا يتخصصون في صناعة الأصنام التي هي أقوى من صناعة الصور، ولم ترد لنا صورة لرسول الله عليه الصلاة والسلام، ولم ترد لنا صورة لـ أبي بكر ولا لـ عمر ولا لـ عثمان ولا لـ علي، ولم ترد لنا صورة للإمام الشافعي ولا لـ مالك ولا لـ أبي حنيفة ولا لـ أحمد ولا لليث بن سعد ولا لـ عروة بن الزبير ولا لغيرهم.

اسأل عن الأدلة من السنة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لُعن المصورون) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تدع صورة إلا طمستها) ، ومن العلماء من يستدل بحديث: (إلا رقماً في ثوب) إذ أن المعنى: نقشاً في الثوب، فيجوز تصوير الصورة في الثوب، وليس الصورة الفوتوغرافية، إنما يستدل به على الثياب التي فيها صور نقوش، كثور أو نخلة أو أي شيء مرسوم في الثوب، لقوله: (إلا رقماً في ثوب) ، وبعض من العلماء قال: المراد بالرقم في الثوب: ما لم يكن من ذوات الأرواح، وكان يجدر بالسائل أن يسأل أيضاً: ما هي أقوال الصحابة بعد قول رسول الله في هذا الباب؟ جاء رجل مصور إلى عبد الله بن عباس فقال: يا ابن عباس! إني رجل مصور، وليس عندي دخل إلا من هذه التصاوير، قال: تعال، ادنُ مني، ادنُ مني، فقربه ثم قال: إن كنت صانعاً فاصنع الشجر وما لا روح فيه، (فالذين يصنعون هذه الصورة يعذبون بها يوم القيامة) ، وفي الحديث الآخر يقال لهم: (أحيوا ما خلقتم) ، (من صور صورة كُلف أن ينفخ فيها الروح يوم القيامة وليس بنافخ) .

قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم: والتفريق بين ماله ظل وما ليس له ظل مذهب باطل، واستدل له (بأن النبي لما رأى الستارة معلقة وعليها تصاوير؛ جاءت عائشة وشققتها أمام الرسول عليه الصلاة والسلام، وجعلت منها وسادتين) ، فهذه هي الأدلة، فكون الشيخ فلان جاء في المجلة، أو الشيخ فلان رسم صورته على كتاب، فالعبرة بالدليل، وليست بقول فلان ولا فلان، أقرب ما يقال: يا شيخ! لماذا تصور نفسك؟ هل الرسول تصور؟! رسول الله أفضل منك، هل تريدنا أن نحبك أكثر من حبنا لرسول الله؟! لا، معاذ الله أبداً أن نحبك أكثر من حبنا لنبينا محمد، ولست كـ جرير بن عبد الله البجلي صاحب رسول الله الذي كان يقال عنه: يوسف هذه الأمة؛ لجمال صورته، ومع هذا ليست له صورة، أين صورة جرير بن عبد الله؟ ليست له صورة، أين صورة يوسف الصديق عليه الصلاة والسلام؟ إن الرسول عندما دخل الكعبة وجد فيها صورة إبراهيم وإسماعيل، وهما يستقسمان بالأزلام، فقال: (قاتلهم الله! -أي: المشركين- والله! ما استقسما بالأزلام قط) ، ثم طمس الرسول صورة إبراهيم وصورة إسماعيل عليهما الصلاة والسلام، فلو كان شيء من ذلك باقياً لبقيت صور رسل الله عليهم الصلاة والسلام، إنما كما قال الرسول لما ذكرت له أم حبيبة وأم سلمة كنيسة رأتاها بأرض الحبشة، وفي هذه الكنيسة صور، فقال: (أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة، أولئك كانوا إذا مات فيهم العبد الصالح صوروا له تلك التصاوير، وبنوا على قبره مسجداً) ، والحديث في الصحيح، فوصف النبي الذي فعل هذه الفعلة بأنهم: (شرار الخلق) .

فلا يغرنك الشيخ فلان ولا الشيخ فلان أبداً، وكيفما كان حبك للشيخ، دائماً اجعل سنة رسول الله فوق كل السنن، وهدي رسول الله فوق كل هدي، يكفينا أنه ليست بين أيدنا صورة لمحمد عليه الصلاة والسلام أبداً، فلا تفعل ذلك، وسل دائماً عن الدليل من الكتاب والسنة، ولا يرد أن الصور لم تكن موجودة، كانت التماثيل تصنع بعالي الدقة والبراعة، ومن ثم قال الرسول: (أشد الناس عذاباً المصورون الذين يضاهئون بخلق الله) فكان هناك قوم يصورون، لكن إذا دعتك الضرورة إلى صورة بطاقة أو صورة جواز ونحو ذلك فلا بأس بذلك.

وأنا سائلكم بالله وأنصفوا من أنفسكم، الذي يصور صورته وينشرها في جريدة أو على كتاب، هل ترون -والله أعلم بالنيات، وليس لنا تدخل فيها، لكن قلوبكم لها فكر- أنه يتقرب بهذا النشر أمام الله أو أنه يريد لفت النظر إلى منظره؟ كلٌ يسأل نفسه عن ذلك، المتصور الذي ينشر صورته على كتاب، هل يريد بنشر الصورة وجه الله سبحانه؟ الله أعلم بالنيات، لكن لنا أيضاً فكر، الله يقول عن قوم: {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} [آل عمران:١١٨] ، فأنت افهم الأمور كيف تسير، وليس لنا تسلط على النيات، لكن تخيل أن صورتك نشرت، فالله الله! في سنة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.